وكالة أخبار المرأة - 6/9/2025 4:25:44 PM - GMT (+3 )

فرغ أبناؤنا من أدائهم لامتحانات نهاية الفصل الثاني قبل أيام؛ في أجواء تعيد إلى الذّهن مواسم الحصاد، وحتى يكون الموسم وفيراً يخطر لي أن أتساءل: إلى أي حدّ نجح نظام الامتحان في البلاد العربية في تقييم وتقويم ما قد حصلّه التلاميذ خلال فترة زمنية محددة؟ وإلى أي مدى نجح هذا النظام في خلق تلميذ يعي ما تعلمه، وعلى استعداد لاسترجاعه وتوظيفه في مواقف حياتية ملائمة؟...
بتتبع ما يجري نجد أن الكثير من التلاميذ يدرس ويؤدي الامتحان للحصول على الدرجة التي تؤهله للتفوق أو النجاح وحسب، يستظهر المادة المحفوظة ثم سرعان ما ينسىاها؛ لعلمه أنه لا دور لها سوى هذا؛ ذلك أن مناهجنا قائمة على الحفظ أكثر من التحليل والتجربة والمنطق الذي يصل إلى النتائج بالاستناد إلى مقدمات صحيحة تعينهم على حل مشكلاتهم الحياتية مستقبلا حين يغدو كلّ منهم رباً لأسرة، وعضواً فاعلاً في مجال ما.
جدية الامتحان نابعة من جدية طرق التدريس؛ فهذه تفضي إلى تلك، فهل يراعى في إعداد الأسئلة الفروقات الفردية بين التلاميذ؟ وهل نجد فيها التحدي للنابهين منهم؟...
الامتحان الجيد يقيم طرفيّ العملية التربوية معاً: المعلم والطالب، أما النظام القائم فكأنه يقيم شريحة واحدة من الطلاب هم الذين لديهم الاستعداد للمذاكرة والحفظ، فكان عدم أخذ الشرائح الأخرى بعين الاعتبار فشلاً لنظام الامتحانات والطالب والمعلم في آن معا من حيث كان يفترض البحث عن وسائل وآليات واستراتيجيات يستفاد من خلالها من طاقات هؤلاء النشء في البحث والتحضير لموضوعات يقوم المعلم بتوجيههم إلى أهم مصادرها ثم يقوم الطلبة بالبحث وتدارس هذه الموضوعات في حلقات نقاشية يشرف عليها المعلم؛ فإن ذلك أدعى أن يكفل لهم المعلومة والقدرة على التعبير الأمر الذي يعزز قوة الشخصية وتقدير الذات التي تعدّ أسمى غايات العملية التربوية.
وعليه فإنه بوسعنا أن نصف النظام التربوي في عالمنا العربي – دون إجحاف أو تجنٍ - بأنه نظام تقليدي فاقد الغايات والأهداف البعيدة؛ ذاك أنه – بالجملة - يقيس مهارة واحدة، ويقيم الطالب من الوجهة الأقل أهمية وهي مهارة الحفظ التي تعدّ المهارة الأدنى في الوقت الذي يعدّ التفكير الناقد هو الأعلى بين هذه المهارات ؛ فكانت المخرجات التعليمية ما نرى، فضلاً عما يضفيه جو الامتحان من توتر للطالب والأسرة والمجتمع الذين حفظوا عن ظهر قلب أيضاً: "عند الامتحان يكرم المرء أو يهان" وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القلق والخوف عند الامتحان ينتاب الطلبة جميعاً بل وذويهم أيضاً، ولكن علينا أن نميز بين نوعين من القلق: الأول هو قلق الرّغبة في النجاح والتفوّق وهو قلق محفز ومطلوب، أما الثاني فهوقلق سببه الرّهبة والخوف من الفشل وهو الذي يثبط الهمّة ويذهب بالجهد أدراج الرياح ويزعزع الثقة بين الطالب والمعلم الذي ينتظر أن تكون مهمته التشجيع والمساعدة لينحو بالطالب نحو الأفضل, لا أن يقيمه عن طريق امتحان له إجابة واحدة منصوص عليها من الجهات القائمة على الامتحان؛ الأمر الذي يحرم التلاميذ فرصة التعبير بلغتهم عما قرأوا وفهموا، لا ما حفظوه عن ظهر قلب من دروسهم المطلوبة، فلعل ذلك يعيد الألفة والثقة بين المعلم والطالب من جديد.
وليست تلك دعوة إلى إلغاء الامتحان ولكنها دعوة إلى عدم الركون للامتحان المكتوب كوسيلة يتيمة، ربما كان في تغيير المناهج بما ينسجم مع مهارات التفكير المناسبة لكل مرحلة خطوة مهمة على درب النهوض بالعملية التعليمية لتواكب عصراً يوصف بانه عصر انفجار المعلومة في عالم يتحدث عن اكتشاف كوكب قوامه الماس فماذا فعلنا على أرض مدارسنا؟
إقرأ المزيد