المرأة اليمنية؛ أملً من الألم !!
وكالة أخبار المرأة -
 مقالات المرأة اليمنيةالدكتورة سعاد السبع - اليمن 

لا تزال المرأة اليمنية تعاني من أمراض التنمية ( الجهل والفقر والمرض) مثلها مثل الرجل، وتزيد عليه بأن الثقافة التقليدية التي لا تزال تغذي النظرة الدونية إلى المرأة قد ساهمت في رفع مؤشرات هذه الأمراض لدى المرأة اليمنية أكثر من الرجل؛ حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة السكان الإناث تمثل ( 50.8) من إجمالي السكان( ). والعدالة تقتضي أن تتساوى المرأة مع أخيها الرجل في توفير الخدمات وإتاحة الفرص للمشاركة في التنمية، لكن الواقع في اليمن يعكس أن فجوة النوع لا تزال كبيرة في مؤشرات التنمية ضد المرأة ؛ حيث لا تزال نسبة الأمية في صفوف النساء تمثل 69.1% من إجمالي الأميين، في مقابل 27.3% من الذكور، والمشكلة في الريف أكبر إذ أن نسبة الأمية في صفوف نساء الريف لا تزال تقدر بـ 80.56 % من مجموع نساء الريف، بينما هي في الحضر 40.25 % من إجمالي نساء المدينة ( ). ولا تزال مؤشرات التحاق المرأة بالتعليم المدرسي في جميع المراحل منخفضة؛ فالإحصاءات الرسمية تشير إلى أن نسبة التحاق الإناث بالتعليم هي: (42.5% في التعليم الأساسي( ) ، و 35.6% % في الثانوي ، و 11.5% في التعليم الفني( المهني والتقني) ، و 30.8% في التعليم الجامعي من إجمالي الملتحقين بكل مرحلة من هذه المراحل..

كما لا تزال المرأة اليمنية مغيبة عن المشاركة في التنمية الاقتصادية؛ فعلى الرغم من أن نسبة الإناث تمثل 49.3% من إجمالي القوة البشرية القادرة على العمل إلا أن نسبة الإناث العاملات إلى إجمالي قوة العمل لا تزال تمثل (12.1%) ، ومعدل مشاركة المرأة اليمنية في النشاطات الاقتصادية لا تزال في أدنى المستويات 9.9% ونسبة العاملات المشتغلات بأجر من إجمالي المشتغلين 8.1% ، كما لا تزال نسبة البطالة بين الإناث القادرات على العمل تمثل 40.2% في مقابل 11.3% عند الذكور القادرين على العمل( )

وحتى الوظائف التي تدعو الثقافة التقليدية إلى حصر المرأة فيها كـ: (الصحة والتعليم ) لم تتحقق فيها عدالة النوع الاجتماعي، إذا إن نسبة تمكين المرأة في هذين المجالين منخفضة جدا مقارنة بالرجل ؛ فلا تزال نسبة الإناث العاملات في المجال الصحي من الإجمالي العام للعاملين في هذا القطاع = 29.51 %، كما تمثل المرأة في المجال التعليمي ما نسبته : 19.62% من إجمالي العاملين في هذا القطاع.

وعلى الرغم من كل هذه المعوقات إلا أن المرأة اليمنية لم تستسلم لواقعها المؤلم، وتحاول جاهدة أن تستثمر أية فرصة توفرها لها الظروف المحيطة بها لتغيير الواقع مهما كلفها ذلك من تضحيات.

والمرأة اليمنية حين تتحدى المعوقات لا تتحداها من أجل إثبات ذاتها هي فقط، بل من أجل المجتمع كاملا بذكوره وإناثه لأنها حين تنظر للمستقبل تنظر إليه بأنه بناء أسرتها بمن فيها من زوج وأبناء وأهل وأقارب، والعمل على تنمية هذه الأسرة .

ولذلك كانت المرأة اليمنية حاضرة في انتخابات ما قبل ثورة التغيير بشكل ملفت حتى وإن كانت نتائج حضورها لدعم الرجل على حساب حقوقها السياسية إلا أنها شاركت لأنها تدرك بفطرتها الأنثوية أنها قادرة على التأثير في قرارات الرجل كلها فيما بعد الانتخابات بحكم علاقتها الأسرية به..

ويمكن الجزم بأن المرأة اليمنية-بحكم الثقافة التقليدية- تؤثر في القرار السياسي بطريقة غير مباشرة أكثر من تأثيرها المباشر، وبحسب طبيعة علاقتها بالرجل صاحب القرار، وحسب مستواها وقوة تأثيرها على الرجل في الحياة اليومية، وقد لا يكون هذا التأثير بطريقة توجيهية صريحة لأن الرجل اليمني تعود أن يتخذ قراراته الخاصة بعمله بعيدا عن المرأة متأثرا بالثقافة التقليدية، التي لا تشجع استشارة المرأة في قرارات العمل حتى وإن كانت مثقفة، ولكن مع ذلك فإن طريقة تعامل المرأة مع الرجل هي التي تحدد طريقة تعامله مع مسئولياته كلها خارج المنزل حتى السياسية، حتى ولو لم يدرك الرجل ذلك، أوأدرك ولم يعترف بذلك خوفا من اتهامه بالأخذ برأي المرأة أو أنها تؤثر فيه، فيصبح عرضة لسخرية المجتمع التقليدي...

ولأن المرأة اليمنية تدرك أن الثقافة التقليدية هي التي تتحكم في الواقع السياسي اليمني؛ فقد استثمرت ما هو متاح لها للمشاركة في الانتخابات لأنها كانت تدرك تماما أنها بمشاركتها في الاقتراع قادرة على اختيار من سيتولى صناعة القرار لها ولأسرتها وللوطن كاملا على الرغم من أنها ليست راضية عن بقائها بعيدة عن تولي مواقع صناعة القرار السياسي بصورة مباشرة..

وبناء عليه فقد شاركت المرأة اليمنية في الانتخابات النيابية عام 2003 م، وبنسبة تقدر( 42.18%) من مجموع الناخبين، وغامرت بعض النساء الجريئات وقتها لترشيح أنفسهن لكسر نمط الثقافة التقليدية، فترشحت 11 امرأة في مقابل 518 رجلا، لكن للأسف لم تصل إلى مجلس النواب سوى امرأة واحدة في مقابل 300 رجل...

وتكرر الوضع في انتخابات المجالس المحلية للعام 2006 م ، ومع ذلك لم يصل إلى مجالس المحافظات سوى سبع نساء في مقابل (400 ) رجل، وحتى على مستوى مجالس المديريات لم يصل إليها سوى (29) امرأة في مقابل ( 6771 ) رجل.( )

وعلى الرغم من واقع المرأة اليمنية المؤلم في مؤشرات التنمية البشرية، وبرغم قتامة الأرقام السابقة في مجال تمكين المرأة اليمنية من مواقع صناعة القرار السياسي ، فإن الواقع المعاش –وبخاصة مع ثورات الربيع العربي- قد أرغم المرأة اليمنية على مواجهة التحديات، واستثمار كل الفرص المتاحة لها من أجل تغيير واقع الحياة السياسية في اليمن، فقد دأبت على لعب دور المؤثر على أدوار الرجل السياسية من خلال وقوفها إلى جانبه زوجة وأما وأختا في البيت، وكذلك من خلال مشاركتها النضالية من أجل التغيير حيث كانت المرأة اليمنية في مقدمة الصفوف في مواجهة رصاص القناصة المعروفين والمجهولين، واستشهد عدد من النساء في الساحات اليمنية وفي المظاهرات والاعتصامات والفعاليات السياسية بكافة أشكالها... بل ولأول مرة في التأريخ تتصدر المرأة اليمنية المظاهرات قبل الرجال في إقدام منها للتضحية من أجل التغيير أو لإثارة حمية الرجال اليمنيين المسلحين- كيفما كانت هويتهم السياسية – بتواجدهن أمام الشباب لمنع المسلحين من قتلهم وبخاصة أن الرجل اليمني بطبيعته يخاف من عار قتل النساء مهما كانت الظروف..

ولا تزال المرأة اليمنية حاضرة في المشهد الثوري إلى اليوم بنقابها وحجابها، تحمل على كاهلها كل تبعات الموروث الثقافي من فقر وجهل وحرمان ، لكنها لم تستسلم لأي إعاقة، بل صنعت من آلامها آمالا، وانطلقت لصناعة مستقبل مشرق لها ولأسرتها ولليمن بكل فئاته، وأثبتت قدرتها على مواجهة التحديات والمشاركة في التغيير ميدانيا وفكريا، وفي البيوت والميادين وعبر وسائل الإعلام المختلفة ، وكان دورها واضحا من خلال التواصل مع وسائل الإعلام المختلفة للتعبير عن مشكلات اليمن ولدعم التغيير الإيجابي، والتحذير من الانحراف بمسار التغيير ، وشاركت المرأة اليمنية في التحقيقات الصحفية وفي تسليط الأضواء على المشهد اليمني وفي الكتابة والحوار حول الثورة وأهدافها وكيفية دعمها، وكيفية توجيهها من أجل اليمن الواحد الموحد.

ولم يقتصر ظهور المرأة اليمنية إلى جانب ثورة التغيير فحسب؛ فقد كان لها حضور نشط إلى جانب النظام السابق انطلاقا من قناعتها بأهمية الالتزام بالشرعية الدستورية ، ومن خلال فهمها للمشهد السياسي ، وقدرتها على إبداء رأيها بصراحة ودون خوف وبخاصة حينما توافد لميادين الثورة أشخاص هم ممن لهم دور كبير في تدهور حالة اليمن على كل المستويات...

وربما أهم احتشاد شكلته المرأة اليمنية بنوعيها (المؤيد للثورة والمؤيد للنظام) هو مشهد مشاركتها في الانتخابات الرئاسية المبكرة من أجل اليمن أولا وتنفيذا للمبادرة الخليجية التي ارتضتها جميع الأطراف السياسية ثانيا؛ حيث خرجت للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المبكرة يوم 21/ فبراير/ 2012م ، وقد كان لمشاركتها في هذه الانتخابات طعم مختلف عن كل المشاركات السياسية السابقة؛ حيث خرجت المرأة للمشاركة بزخم فاق زخم الرجال رغم الأخطار الأمنية التي تحيط بها في كل مناطق اليمن ، وفاجأت الجميع باندفاعها إلى لجان الاقتراع بكل جسارة ، وبكل جرأة ، وقد دهشت- أنا شخصيا -من الإقبال الكبير للنساء من مختلف الأعمار وبخاصة المسنات اللائي لم يشاركن في الانتخابات السابقة، مما دفعني إلى زيارة عدد من اللجان الانتخابية وسؤال عدد من النساء ( )عن السبب الذي جعلهن يتجشمن عناء الخروج من منازلهن والصبر على متاعب الوصول إلى صندوق الاقتراع في هذا الوضع، وبناء على تحليل إجاباتهن يمكن الجزم بأن (55%) من النساء اليمنيات حضرن إلى اللجان الانتخابية من أجل المشاركة في إعادة الأمن والاستقرار للبلد، و(35%) منهن من أجل تهيئة الأجواء لتحسين الوضع المعيشي للأسر اليمنية، و10% شاركن من أجل التمهيد لتغيير النظام بطريقة دستورية والتهيئة لبناء الدولة المدنية الحديثة ..

والملفت للانتباه أنني لم أجد واحدة ممن سألتهن تجيب بأن خروجها كان لممارسة حقها الانتخابي بوصفها مواطنة يمنية، وهذا ربما يكون دليلا واقعيا على أن المرأة اليمنية شاركت في الانتخابات الرئاسية المبكرة يوم 21/ فبراير /2012 م ليس بهدف حصولها هي شخصيا على حقوقها السياسية، بل من أجل الإسهام في حل المشكلات التي خلفتها الحرب في اليمن ، ومن أجل التهيئة لإحداث التغيير الإيجابي الذي ينتظره المواطن اليمني بغض النظر عن جنسه وعن هويته السياسية..

ما أذهلني حقا هو بعض المواقف – التي عشتها - لنساء مسنات تعرضن لمتاعب كثيرة في الطوابير والازدحام وتسلق السلالم للوصول إلى اللجان النسوية، لكنهن مع ذلك لم يتراجعن، بل صبرن حتى أدلين بأصواتهن، وربما يحق لي أن أسجل هنا بعض مشاهداتي لأدلل على نمو وعي المرأة اليمنية بدورها في التغيير على الرغم من أميتها وما تعانيه من قهر الثقافة التقليدية..

ومن هذه المشاهد:

1- امرأة مسنة تجاوزت السبعينيات من العمر، لفت انتباهي تذمرها وارتفاع صوتها وهي تبحث عن أكبر مسئول في اللجنة،(كما قالت) وحينما سألتها عن السبب، قالت: لم يسمحوا لي بالانتخاب لأنني لا أملك بطاقة انتخابية، وكانت تحمل جواز سفر لها لم تستخدمه إلا مرة واحدة إلى الحج، فتوجهت معها إلى رئيس اللجنة الذي كانت لديه تعليمات بالسماح لأي مواطن يثبت هويته اليمنية بأية وثيقة معتمدة من الدولة لأنها فترة استثنائية، وفعلا سمح للمرأة المسنة بالاقتراع وخرجت من اللجنة فرحة تلهج بحمد الله وشكرت رئيس اللجنة أنه مكنها من الوصول إلى الصندوق وغمس إصبعها في حبر الاقتراع.

2- امرأة أخرى في منتصف العمر؛ يبدو من ملامحها أنها من المهمشات، شاهدتها تحمل (شوالا) مملوءا بالعلب الفارغة التي جمعتها من الشوارع ، ووضعت (شوالتها) في فناء المبنى ثم توجهت إلى اللجنة النسوية، وكانت معها ورقة مختومة من عاقل الحارة للتعريف بها ، ولم تغادر المكان حتى تمكنت من الاقتراع.

3- امرأة شابة ؛ وقفت وسط الطابور وهي تمسك بيد طفلها الذي لا يتجاوز السادسة من العمر، لاحظت أنها قلقة من طول الانتظار، ومن إصرار طفلها عليها بالتحرك والدخول للجنة ، فاقتربت منها وسألتها: لماذا أحضرت طفلك لهذا الزحام؟ قالت هو بكى وأصر على الحضور ليشاهد ماذا سأفعل، وقطع حوارنا الطفل قائلا أمي، متى سيسمحوا لي بالانتخاب؟ أجابته بثقة :( بعد ثلاثة رؤساء ياحبيبي) فأدركت أنها من النساء اللاتي شاركن من أجل تغيير النظام ووضع تشريع لعدم بقاء الرئيس أكثر من أربع سنوات في كرسي الرئاسة..

مشاهد كثيرة عشتها في يوم 21 فبراير 2012 ، كانت بحق توحي بحدوث نقلة نوعية في وعي المرأة اليمنية عن أهمية مشاركتها في الانتخابات مما يجعلني أجزم بأن هناك نموا ملحوظا في وعي النساء اليمنيات بأدوارهن في التنمية، وأن من صنع هذا الوعي هي سنة كاملة من الحراك الفكري والضغط العسكري هز كيان المرأة وجعلها تعيش أنواعا شتى من المعاناة المصاحبة لثورة التغيير، حيث كانت معاناة المرأة معاناة مضاعَفة ومركبة ؛ إذ عاشت الخوف باعتبارها مواطنة في واقع مشتعل بالصراع السياسي وبالاقتتال، وعاشت الرعب على رجالها خارج المنزل في فترة الحرب باعتبارها أما أو زوجة أو أختا أو ابنة، وربما خوفها على الرجال –وبخاصة ممن هم في القوات المسلحة في الطرفين الرسمي والمنشق- كان أشد وأقسى، فضلا عن المعاناة الاقتصادية التي عاشتها المرأة اليمنية باعتبارها الأكثر التصاقا باحتياجات الأسرة في البيت..

لقد كانت المرأة اليمنية حاضرة في ثورة الربيع العربي، وسجلت التقارير الإخبارية هذا الحضور عبر وسائل الإعلام العربية والعالمية ، وأصبحت المرأة اليمنية محل التهاني عبر المواقع الإلكترونية وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي(face book)، وسررت- أنا بالذات- برسائل تهاني كثيرة للمرأة اليمنية عبر بريدي الإلكتروني ، وهي كلها عزيزة على قلبي ومن هذه الرسائل رسالة الأستاذ "عامر العظم" التي أسعدتني برأيه الكريم فيما أنجزته المرأة اليمنية من أجل التغيير، ويحق لي أن أسجل بعض ما جاء في رسالته:(المرأة اليمنية هي الأكثر حضوراً ومشاركة وصبراً وحيوية في الثورات العربية... من كان يصدق أن يراها لشهور تصول وتجول دون كلل أو ملل في ساحات وميادين التحرير...؟!!... تخيلوا حجم الإنجاز الفكري والثقافي للمرأة والثورة اليمنية في مجتمع قبلي مسلح...لا نحتاج للكثير من الكلمات بل نحتاج لنحيي المرأة اليمنية...)

ولأن المرأة اليمنية قد نجحت في صناعة تاريخها المحلي من أجل التغيير، تم تكريمها والإشادة بها في كل وسائل الإعلام المحلي والعربي والدولي ، وكلل هذا التكريم بحصول السيدة اليمنية توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام ، وصارت معظم التقارير(المحلية والعربية والعالمية) تشير إلى المرأة اليمنية بإعجاب ، وتعد هذه شهادة عظيمة لدور المرأة اليمنية في المشهد السياسي للربيع العربي،فعلى الرغم من الواقع اليمني المؤلم، إلا أنها استطاعت أن تحول الألم إلى أمل سوف يمثل نقطة انطلاق لاستعادة الأمن والاستقرار وصناعة السلام في اليمن ولتحقيق الدولة المدنية الحديثة التي ينتظرها معظم أبناء الشعب اليمني...



إقرأ المزيد