«صيد ثعالة»... هكذا يصبح المظلوم ظالماً!
جريدة الراي -

قدّمت فرقة المعهد العالي للفنون المسرحية عملاً لافتاً بعنوان «صيد ثعالة»، من تأليف فواز العدواني وإخراج يحيى الحراصي، تحت الإشراف العام للدكتور فهد العبدالمحسن، وذلك في آخر العروض الرسمية لفعاليات الدورة السادسة عشرة لمهرجان «أيام المسرح للشباب» الذي انطلق تحت مظلة الهيئة العامة للشباب في 17 من شهر نوفمبر الجاري، وتحتفي بالفنان القدير سعد الفرج «شخصية المهرجان».

العمل من بطولة جهاد البلوشي وعبدالله زايد وراحيل المطبقي، بمشاركة عبدالعزيز القلاف وعلي الحديدي. وقد نسج العرض حكاية إنسانية ثقيلة الظلال، تدور حول شخصية معاذ (جهاد البلوشي)، الرجل البائس المسحوق الذي ينهشه صراع داخلي مرير، وتطارده ذكريات ظلم قديم جعلته سجين أفكاره المظلمة. وبين رغبته في الانتقام وضياعه في متاهة الألم، يتحوّل تدريجياً من ضحيةٍ مُستباحة إلى جلّادٍ قاس.

منذ دقيقة

منذ 27 دقيقة

أما زوجته ثعالة (راحيل المطبقي)، فهي امرأة ماكرة تنظر إلى الحياة كصفقة دائمة، تدفع زوجها نحو طرق معتمة لتصنع مجداً على حساب الآخرين. طموحها جامح، لكنها تبنيه على أنقاض كل من حولها. في المقابل، يظهر مارون (علي الحديدي) كشخصية متعددة الوجوه، يتقن المراوغة ويجيد اللعب في الهوامش، فيبدو بدايةً حليفاً لمعاذ ثم يكشف عن نزعته الانتهازية، محرضاً إيّاه على «معاليه» (عبدالله زايد)، صاحب السلطة والسطوة الاقتصادية والاجتماعية، الذي يتعامل مع الناس كجزيئات في مشروعه الكبير، ويحمل سراً قديماً يربطه بمعاذ دون علم الأخير.

العمل بأكمله جاء محمولاً على فلسفة عميقة حول وجوه القهر التي يختبرها الإنسان، والرغبة في الانتقام، ثم السقوط في مستنقع جلد الذات ومكابدات الضمير. وقد لعبت الموسيقى والمؤثرات الصوتية التي صاغها صالح الفيلجاوي، دوراً بارزاً في تعميق المشاهد السوداوية، بينما نجحت إضاءة سالم الجسمي في تحويل اللغة المكتوبة إلى حالات بصرية نابضة، متناسقة مع كل مشهد درامي.

ولم يخلُ العرض من بصمة لافتة على صعيد الأزياء، حيث قدّمت المصممة شهد السعيد رؤية دقيقة تعكس اختلاف طبقات الشخصيات: الفقير، والسيد، والزوجة الطامحة. وفي الأداء التمثيلي، شاهد الجمهور مباراة قوية بين الممثلين الشباب الذين أظهروا قدراً كبيراً من الاحترافية، رغم أن بعضهم يخوض تجربته الأولى على الخشبة.

أما النص الذي استغرق المؤلف ست سنوات في كتابته، فقد جاء بلغة عربية بليغة وصياغة محكمة، وحمله المخرج الحراصي في تجربته الإخراجية الأولى برؤية واعية، تُبشّر بموهبة قادمة بقوة في المشهد المسرحي.

نص متقن، أداء واثق، ورؤية إخراجية واعدة... هكذا بدا «صيد ثعالة» واحداً من أبرز عروض هذه الدورة.



إقرأ المزيد