«الدراما الشعبية في المسرح الكويتي».. إصدار جديد من يوسف السريع لرفد مكتبة دراسات الفن المسرحي
جريدة الأنباء الكويتية -


يوسف غانم

تأكيدا لدور الفنون الشعبية في التعبير عن الهوية الوطنية والإنسانية باعتبارها مرآة الحضارة القديمة والجديدة، ولإغناء مكتبة دراسات الفن المسرحي في الكويت والعالم العربي بكل إضافة مميزة وإيجابية، كان حرص د.يوسف عبدالوهاب السريع على إصدار كتابه الجديد «الدراما الشعبية في المسرح الكويتي 1962-2015» ليشكل رافدا غنيا ومصدرا للمهتمين والباحثين بما يشتمل عليه من معلومات متنوعة وموثقة، جاءت في تسلسل منهجي متناسق، متضمنا في فصوله وأبوابه مباحث وأعمالا مختارة تم تحليلها من منظور التوظيف الدرامي للأشكال الشعبية، إضافة إلى جداول توضح الشخصيات المحورية في عدد من العروض المسرحية المستقاة من نماذج متعددة.

وفي تقديم الكتاب، يقول د.سليمان الشطي: إن كل رافد ينحدر ليصب في مجرى نهر المسرح هو دفعة قوية في تأصيل هذا الفن الذي نفذ إلى خلايا المجتمع يجليها ويكشفها، فهذه البحوث تلقي بأنوار الوعي والإدراك والفهم العميق للعروض المسرحية وتكشف خفايا جمالها الفني، فتزداد معرفتنا عمقا وتتنوع تجربتنا ومن ثم تتوهج متعتنا بهجة وأنسا بهذا الفن الذي لا ينضب عطاؤه.

ويشير إلى أن المؤلف اعتمد أن تكون هذه الدراسة في سياق المحاولات الجادة في دراسة المسرح، وفيها ومعها وبها تكتسب المكتبة إضافة مفيدة، كونها انطلقت من رصانة البحث الأكاديمي الذي يستقصي ويدقق متأنيا وحذرا في اختياراته وأحكامه، دقيقا في اختيار الزاوية التي تحتاج إلى تجلية ودراسة متجاوزا حيز الدراسات العامة إلى النظرات المتخصصة التي تختار جانبا فتحفر فيه عمقا وفحصا ودراسة، فهذه الدراس، خرجت من إطار العموميات لتدخل في منطقة أساسية في الفحص الفني حينما نظرت في مصادر الأداء المسرحي، ونظرت في طبيعة توظيف معطيات هذه المصادر ومنها المأثورات الشعبية التي تظافرت مع فن المسرح ودخلت في نسق تجربته، ومن ثم تأتي ضرورة دراسة هذا التوظيف المسرحي لها.

ويضيف: إن دراسة هذا التوظيف لابد لها أن تتسلح بخبرة وفهم طبيعة كل واحد من الفنين، ودقة تبادل الاستفادة بينهما وصياغتها بانسجام يحفظ سلامة شروط كل منهما، ومن هنا جاء اختيار عنوان الدراسة «الدراما الكويتية في المسرح الكويتي» فثمة تحديد متوازن للإثنين «الدراما»، و«الفن الشعبي»، ولم تتوان الدراسة في عرض المفاهيم والمداخل لكل من فن الدراما والفلكلور كي تصبح الصورة واضحة جلية للقارئ. كما أن في مثل هذه الدراسة توجها لفهم توظيفات فن المسرح للفنون الأخرى ودمجها في منظوره الخاص باعتبارها فنا جامعا لعدد منها، فقد تعاضدت فيه الكلمة والحكاية والموسيقى والأداء الحركي بتعدد أنواعه وأشكاله.

ويعتبر د.الشطي أن اختيار د.يوسف السريع دراسة الفنون الشعبية في المسرح الكويتي حصيفا، كون فن المسرح جديد طارئ على بيئة تسعى حثيثا لدمجه في ثقافتها ليصبح فنا قريبا من الناس وميولهم وتكوينهم الثقافي وذوقهم الفني، ومن ثم تكون الحاجة لإزالة غربة طريقته في الأداء، فكان الاقتراب من الفنون الراسخة في البيئة ودمجها فيه يمثل محاولة ذكية لإزالة هذه الغربة، حيث ارتكز المؤلف في هذا البحث على ستة عروض مسرحية لتكون نماذج تطبيقية، ليضعها أمام القارئ ليتبينها من خلال البحث مع مراعاة الحقب الزمنية، فلكل مرحلة ذوقها ومدخلها، فكانت النصوص منتمية إلى فترة الستينيات «سكان مرته»، أوائل السبعينيات «ضاع الديك»، ومسرحية «نورة»، ومن الثمانينيات مسرحية «هالو بانكوك»، ومسرحيتا «طار برزقه»، و«البوشية» من العقود الأخيرة. فكانت هذه المسرحيات عينة مختارة من الدراما ذات الأشكال الشعبية الكويتية وهي مرتبة وفقا لزمان عرضها.

ويقول د.يوسف السريع في المقدمة: إن «الأشكال الشعبية» تعبير متداول بين المبدعين والنقاد، ويقصد به الموروث من الأقوال والأفعال والألعاب والمنظومات والمعزوفات، التي ابتدعها الإنسان ومارسها، فأصبحت من موروثاته التي شقت طريقها منذ عصوره الضاربة في القدم، تحتفظ بها الذاكرة الجمعية، وتحتفي بها شرائح واسعة من المجتمع، ولاتزال تمثل مكونا ثقافيا مهما، إلى يومنا هذا. والمجتمع الكويتي، شأنه شأن أي بيئة إنسانية واجتماعية أخرى، أنتج على مدار تاريخه العديد من الأشكال الشعبية الخاصة بأفراده، وهي مستمدة من طبيعة الأفراد أنفسهم، ومن بيئتهم البحرية، والصحراوية، حيث صبغتها بمفاهيم خاصة وبهوية مستقلة لها طابع الخصوصية والتاريخية. وكان من الطبيعي أن يلتفت المسرح الكويتي إلى هذا التراث الشعبي الوطني بكل أشكاله وألوانه.

وإذا كانت «الأشكال الشعبية» تمثل الطابع الأساسي المحدد لاختيار النصوص، فإن «المسرح في الكويت» هو المحور والشكل الذي نبحث في إطاره عن هذا الطابع الشعبي، بما يعني أن الأشكال الشعبية قد صادفت حياة جديدة، في سياق مختلف، حين اقتنصها الكاتب المسرحي الكويتي، فدفع بها حسب اختياره إلى أحداث مسرحية، هادفا إلى أن يكون فنه المسرحي أقرب إلى القبول عند هذا الجمهور العصري الذي يشاهد مسرحيته.

كما حرص المؤلف على تضمين الكتاب بعض الصور عن الأعمال المسرحية والمشاهد وأنماط الرقص الشعبي والتهليل وبعض المهن، وإلقاء الشعر وغيرها، والتي جاءت ضمن عينات الدراسة من باب التوثيق والتوضيح للقارئ والتوظيف المناسب لها في سياقها العام.



إقرأ المزيد