جريدة الراي - 11/11/2025 10:03:21 PM - GMT (+3 )
شهد اليوم الأول من العروض الرسمية لفعاليات الدورة الثامنة من مهرجان المونودراما الدولي عرضين مسرحيين على خشبة متحف الكويت الوطني، هما «صانع الفزّاعات» من سلطنة عمان، و«الشرقي الذي فُقد» من المملكة العربية السعودية.
وجاء «صانع الفزاعات» من تأليف نائل الجرابعة وإخراج عبدالملك الفداني، ومن تمثيل عيسى الصبحي، الذي طوّع جسده وحواسه ليعبر عن لعبة صناعة الوهم من خلال الخوف الذي ينمو ثم ينمو وينمو ويتعملق ليتم تقزيم صاحبه، حتى لو كان هو صانعه، ليذكّرنا العرض بالأسطورة اليونانية «بجماليون»، الذي يقع في حب تمثال صنعه بنفسه، قبل أن يتمرد المصنوع على الصانع.
ودارت أحداث «صانع الفزّاعات» حول مزارع يخشى على زرعه من الطيور الجارحة ومن الغربان التي تأكل وتخرب الزرع، لذا حاول أن يصنع فزّاعات من القماش على شكل البشر، كي تخيف الغربان وتحرث له الأرض، فإذا بها تتحول إلى مصادر لرعب صانعها ذاته، وتتمرد عليه لتنقلب سلطة الصانع.
وهنا نرى كيف يتم تصنيع الوهم وتضخيمه بشكل لا يقوى صانعه على احتماله، بعدما اختلط الحقيقي بالمتخيل.
وبدا العرض كما لو أننا أمام لعبة مسرحية مرنة لتفكيك مشاعر الإنسان وتفريغ حمولة الوهم التي تحيط بعنقه وروحه بشكل مستمر.
كما نجح بطل العرض في تجريد الصورة التي نحن عليها... صورة الأوهام التي نصنعها بأيدينا ونصدقها بكل ضعف.
«التمسّك بالهوية»
أما العرض المونودرامي الثاني «الشرقي الذي فُقد»، فاتسم بالكثير من الإسقاطات التي تركز في المقام الأول على مسألة التمسك بالهوية والتاريخ، مهما عظمت الآلام والمصاعب، وبالتالي فقد تحاورت المسرحية مع هذه الرؤى، من خلال استعادة الذاكرة والتذكر.
المسرحية من تأليف الكاتب السعودي ياسرعلي الحسن، ومن إخراج وتمثيل حسين يوسف.
وبدأت بديكور بسيط، إلا أنه كان فضاء كبيراً لتجسيد حالات ومواقف العمل، ومن هذا الفضاء البسيط يستيقظ البطل وهو سجين في غرفة أو مكان ضيق، بهيئته الضعيفة، وعرجة في إحدى رجليه وهو يصرخ لأنه لم يعد يتذكر أي شيء مرّ عليه في حياته، وما يحزنه أنه لا يتذكر حتى اسم من ملكت شغاف قلبه، ومَنْ تشبث بالحياة من أجلها.
وبعد جهد وتعب وتفكير عميق يتذكر اسم «مريم»، كي يتوالى التذكّر بداية من طفولته ثم صباه، وكيف أنه تسبب من دون قصد في موت شقيقه الرضيع، وصديقه المقرب «ناصر»، وحياته التي كانت كلها جهداً من خلال عمله في البحر قبطاناً يبحث عن اللؤلؤ.
ويواصل التذكّر، حينما تقدم للزواج من حبيبته مريم، فطلب منه والدها طلباً تعجيزياً، في أن يكون مهر مريم، لآلئ كثيرة، وبالتالي يقبل التحدي، ويصمم على تحقيق هذا الطلب التعجيزي، ولكن سفينته تتعرّض لسطو قراصنة برتغاليين، ولديهم يجد التعذيب والذل، حيث كانوا ينادونه بـ«الشرقي» امتهاناً له، ويذيقونه أصناف العذاب، وكلما حاول الهرب يعيدونه مرة أخرى لحياة الهوان، فيخطط للهرب من خلال صناعة قارب صغير لا يكفي إلا لشخص واحد.
ويستمر في تذكره، ليتفاجأ بأن صديقه ناصر كان ضمن المأسورين من قبل هؤلاء القراصنة، قبل أن يسمع من صديقه المأسور أن حبيبته التي قاوم الصعاب والهوان من أجلها قد ماتت، فيدخل اليأس في نفسه، ولا يجد للحياة قيمة، بعد أن فقد من كانت هي الحياة.
ومع ذلك نجح في تهريب صديقه ناصر، في القارب الصغير الذي كان يعده للهرب فيه، ولكن القراصنة يعرفون ذلك، فيذيقونه أصناف العذاب ويسجنونه لمدة 18 عاماً أو ما يزيد عليها، في غرفة انفرادية.
ما يمكن التأكيد عليه خلال هذا العرض المونودرامي السعودي أن المخرج والممثل حسين يوسف، استطاع تطويع جسده للتعبير عن القهر والفقد والظلم، من خلال مرونة الحركة وانسيابها بتلقائية ومن دون مبالغة، كما أن تنقلاته من رجل في عنفوانه إلى رجل مهزوم ضعيف، وتجسيده لشخوص أخرى، جاءت متناسقة مع الجو العام للمسرحية، في حين عبّر النص المسرحي عن مواقف إنسانية عدة، وإبراز جوانب تتعلق بالهوية والتمسك بالوطن، وعدم الرضوخ للظلم والاستبداد.
إقرأ المزيد


