جريدة الراي - 8/11/2025 10:00:36 PM - GMT (+3 )

رحلت ذكرى، فغابت معها مدرسة كاملة من الغناء، مدرسة ما كانت تعرف الميوعة ولا «التطريز الصوتي» الفارغ. كانت تغنّي فتسحب أرواحنا معها، في كل مرة تتركنا مبهورين وكأننا سمعنا سرّاً من أسرار الحياة، صوتها كان فيه صدق الصحراء ونداوة النيل في وقت واحد... خليط ما يقدر عليه إلا هي.
لكن الدنيا ما توقف على أحد، رغم أن غيابها كان أشبه بصفارة نهاية شوط، والملعب فجأة صار مفتوحاً، وبدل ما يدخل لاعبون على المستوى نفسه، شفنا موجة من «اللاعبات الاحتياطيات» بعضهن يجتهد، وبعضهن يتنافسن بالإطلالة و«البلاي باك».
ذكرى، كانت تغني كأنها تحارب من أجل قضية، أما بعض من جاء بعدها فغناؤهن أقرب إلى إعلان تجاري طويل، مجرد إضاءة، فساتين، حركات مدروسة على المايكروفون... لكن أين الصوت؟ أين الإحساس الذي يخترق قلبك مثل السهم؟... ما ميش!
المفارقة أن رحيلها أطلق العنان للبعض، وكأن وجودها كان سقفاً عالياً يخيفهن، وعندما أزاح القدر ذلك السقف، ارتفعت الأصوات، لكن ليس ارتفاع الجبال بل ارتفاع الضجيج، قد يقول قائل: «المجال مفتوح للجميع»، وهذا صحيح، لكن الفن الحقيقي ليس مثل محل السوبرماركت، كل من يملك رفّاً يضع فيه بضاعته، الفن النظيف بحاجة إلى من يملؤه بقيمة، مثلما فعلت ذكرى في كل أغنية تركتها، صوتها مثل بصمة الإبهام، لا يختلط ولا يُقلَّد، حتى وهي تغني بالهمس كان صوتها يحمل قوة مدهشة، وكأنها تخبئ وراء كل نغمة جبلاً من الإحساس، بعض المطربات بعد رحيلها قررن أن يقلّدنها... والنتيجة!
رحم الله ذكرى... أما بعض البقية، فالله يعيننا على ما تبقّى من «أصداء» تحاول تقليد صدى صوتها، فتتحوّل الأغنية إلى فقاعة صابون... جميلة للحظة ثم تختفي.
نهاية المطاف: ذكرى غابت... والبقية يتذكّرن صورتها.
إقرأ المزيد