هل يشهد عام 2026 مواجهة بين إسرائيل وتركيا؟
الجزيرة.نت -

وضعت حرب الإبادة في غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" وتداعياتها الإقليمية كلا من تركيا وإسرائيل في حالة خصومة ومواجهة غير مباشرة، ولا سيما في سوريا. بيد أن تحركات الجانبين مؤخرا تشير إلى بداية تشكيلهما محاور وأحلافا متنافسة وربما متواجهة.

مواجهة غير مباشرة

أتت عملية "طوفان الأقصى" في 2023 في ظل تحسن العلاقات التركية – الإسرائيلية، وبعد أسابيع قليلة من لقاء أردوغان بنتنياهو في "البيت التركي" في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد عام تقريبا من استعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.

بيد أن موقف أنقرة الذي تطور لاحقا على عدة صعد سياسية واقتصادية وقانونية ضد إسرائيل، بما يشمل المشاركة في قضية "الإبادة" أمام محكمة العدل الدولية، وإعلان وقف التعامل التجاري، جعلا من تركيا هدفا للانتقادات الإسرائيلية والتحريض المباشر.

لدى توسع الحرب الإسرائيلية نحو لبنان، قال أردوغان إن "القوات الإسرائيلية على بعد ساعتين من حدودنا"، واجتمع البرلمان التركي لنقاش سبل مواجهة التهديد الإسرائيلي، كما نظرت أنقرة للحرب على إيران من زاوية التهديد الذاتي، ويمكن قراءة الخطوات العملية التي تبنتها كتحصين لها في مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل. هذا، فضلا عن أن العدوان على سوريا شمل في بعض محطاته قصفا لأهداف تركية ما بين قواعد عسكرية محتملة وأجهزة تنصت منشورة، وفق الرواية الإسرائيلية.

وحين تحدث أردوغان عن ضرورة تعزيز قوة تركيا "حتى لا تستطيع إسرائيل فعل ما تفعله ضد الفلسطينيين" مذكرا بدور بلاده في ليبيا وقره باغ، هدده وزير الخارجية آنذاك يسرائيل كاتس بـ"مصير صدام حسين". كما أوصت لجنة "ناغل" بضرورة الاستعداد لمواجهة عسكرية محتملة مع تركيا "خلال سنوات".

في المقابل، تتواتر التصريحات التركية الرسمية التي تضع إسرائيل في دائرة المسؤولية الحصرية عن تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة، وتشير لدورها في تهديد سوريا من خلال العدوان المباشر ودعم بعض الأطراف الداخلية مثل "الهجري" وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

إعلان

وإذا كانت حكومة نتنياهو أعلنت أكثر من مرة دعمها لـ "قسد" ضد تركيا، فإن أنقرة تضع مماطلة "قسد" في مسار الاندماج في الجيش السوري في إطار الرهان على دعم إسرائيل لها. وفي ظل إصرار أنقرة على ضرورة حل "قسد" ودمجها في المؤسسة العسكرية الرسمية، ملوحة بحلول عسكرية مباشرة أو دعم دمشق، فإن الدور الإسرائيلي يظل في الحسبان على مستوى التحديات وتعقيد المشهد.

مؤخرا، أعلنت أنقرة رغبتها في المشاركة في "قوة الاستقرار الدولية" التي يفترض أن تنتشر في غزة وفق خطة ترامب، وهو ما يؤيده الأخير، ولكن ترفضه إسرائيل بشدة "بسبب عداء أردوغان الطويل" لها وفق وزير خارجيتها جدعون ساعر.

قمتان متواجهتان

في الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الجاري، تزامنت قمتان متواجهتان في مفارقة ملفتة. فقد نظمت في القدس المحتلة قمة ثلاثية بين إسرائيل واليونان وقبرص (اليونانية) في نفس الوقت الذي زار فيه وفد تركي رفيع المستوى العاصمة السورية دمشق.

في القدس المحتلة، اجتمع نتنياهو مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ورئيس جمهورية قبرص نيكوس خريستودوليديس، لمناقشة "ملفات إقليمية حساسة"، وتعزيز التعاون العسكري والأمني في ظل "تهديدات حقيقية تواجه المنطقة" وفق رئيس وزراء الاحتلال.

حملت القمة الثلاثية عدة إشارات واضحة على تركيزها على مواجهة أنقرة في المقام الأول. أهمها الإعلان عن إدخال القوات البرية اليونانية منظومات صواريخ مضادة للدروع بعيدة المدى من طراز "سبايك" كانت اشترتها من إسرائيل للخدمة في جزر بحر إيجه (المتنافس عليها مع تركيا)، والإعلان عن تشكيل "قوة تدخل سريع مشتركة" بين الأطراف الثلاثة قوامها 2500 جندي "لحماية البنية التحتية الحيوية في شرق المتوسط"، وهي منطقة التنازع الرئيسة مؤخرا بين اليونان وتركيا، وتصريح نتنياهو إلى "أولئك الذين يحلمون بإقامة إمبراطوريات والسيطرة على أراضينا"- قاصدا أردوغان دون تسميته- بأن "انسوا ذلك، هذا لن يحدث".

في نفس الأثناء، كان وفد تركي يضم وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، يلتقي بالرئيس السوري أحمد الشرع، ثم بنظرائه السوريين وفق آلية "3+3". وقد تصدر جدول أعمال الزيارة ملفات في مقدمتها التعاون الاقتصادي والتجاري في سياق رفع العقوبات الأميركية عن دمشق، وتعزيز التنسيق والتعاون الأمني والعسكري، وعودة اللاجئين السوريين.

ورغم أن ملف إدماج "قسد" في المؤسسة العسكرية السورية كان على رأس أولويات أنقرة، فإن المؤتمر الصحفي المشترك بين فيدان ونظيره السوري أسعد الشيباني، لم يغفل الإشارات الواضحة لإسرائيل، ولا سيما من فيدان.

حيث أكد الأخير على أن الطرفين ناقشا "الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية"، داعيا إياها "للتخلي عن سياساتها التوسعية لضمان استقرار سوريا والمنطقة ككل".

مواجهة؟

رغم سعي كل من دمشق وأنقرة الحثيث لتجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، في الوقت الحالي على أقل تقدير، فإن الأخيرة تصعد في الموقف بشكل يثير مخاوف جدية من حصول تلك المواجهة.

إعلان

ذلك أن تركيا لم ترد عمليا وميدانيا على أي استهداف إسرائيلي لها-دورا ونفوذا ووجودا- في سوريا، وفق رؤية ترى أن تعزيز قوة سوريا واستقرارها هو الرد الأمثل في الوقت الحالي.

أكثر من ذلك، فقد دعمت أنقرة مسار المحادثات ثم المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، وقد أمل فيدان في المؤتمر الصحفي المشار له بأن "تفضي المحادثات الجارية إلى نتيجة"، مؤكدا على أن إحراز تقدم فيها "بالغ الأهمية لاستقرار سوريا والمنطقة".

في المقابل، تضع التصريحات الرسمية وغير الرسمية الصادرة عن إسرائيل، تركيا في بؤرة التحريض والاستهداف. فالنظرية الأمنية الجديدة بعد "طوفان الأقصى" تقضي بألا تنتظر إسرائيل نشوء تهديدات لها للتعامل معها، وإنما وأد أي تهديد محتمل قبل تبلوره، كما أن إضعافها عددا من أعدائها في المنطقة- دون أن تحسم الحرب ضدها نهائيا- جعل من تركيا خصما مستقبليا محتملا بعدّها دولة قوية ومنافسة.

كما أن ثمة تقديرات متزايدة باحتمال استئناف الحرب على لبنان و/أو إيران أو أطراف أخرى في المنطقة لـ"استكمال المهمة"، في ظل "ميزانية الحرب" التي تسعى لها حكومة نتنياهو لعام 2026، خصوصا أنه سيكون عام انتخابات ومزايدات لكسب أصوات المجتمع الإسرائيلي الموغل في التطرف.

وفي حين تنظر إسرائيل لتركيا على أنها أكبر الكاسبين في سوريا، وقد يكون لها حضور عسكري في غزة، بما يعني أنها قد "تحاصرها" من الشمال والجنوب، فإنها تسعى لحصار أنقرة وإضعافها عبر عدة وسائل من ضمنها دعم "قسد"، وغيرها في سوريا وتشكيل محاور تستهدفها.

كانت إسرائيل محركا رئيسا وفاعلا أساسيا في "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي أسس عام 2019، وكان هدفه الرئيس غير المعلن عزل أنقرة وحرمانها من حقوقها في شرق المتوسط، التي وللمفارقة تملك الساحل الأطول عليه.

اليوم، ومع تطوير أنقرة علاقاتها العربية وتهدئة التوتر مع الاتحاد الأوروبي، تلجأ حكومة نتنياهو "للعدو التقليدي والدائم" لأنقرة وهو أثينا. وفي مخرجات القمة الثلاثية لا يمكن فهم "قوة التدخل السريع المشتركة" إلا أنها رسالة تهديد لأنقرة في الإطار السياسي، وربما في الإطار الميداني المباشر أيضا.

هل يعني ذلك أن عام 2026 سيشهد مواجهة عسكرية مباشرة بين تركيا وإسرائيل؟

لا، ليس بالضرورة، ذلك أن هناك كوابح حقيقية لهذا السيناريو، في مقدمتها القدرات العسكرية للجانبين وبالتالي خسائرهما من المواجهة متشابهة، والعامل الأميركي الرافض حروب الحلفاء، خصوصا أن الأمر يطال أثينا أيضا التي يجمعها مع أنقرة وواشنطن عضوية حلف الناتو.

تسعى الإدارة الأميركية لترطيب الأجواء بين تركيا وإسرائيل، وتحدث سفيرها في أنقرة توم براك عن احتمال توصل الجانبين لتفاهمات اقتصادية يمكن أن تحسن العلاقات بينهما، لكن ذلك ما زال بعيدا حتى اللحظة.

وعليه، يبقى سيناريو المواجهة غير المباشرة الأرجح وفق المعطيات الحالية، ونتحدث بشكل أساسي عن مواجهة غير مباشرة محتملة في سوريا، حيث تتوفر عناصر التفجير بشكل مكثف من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمتمادية، إلى "قسد" وملفها الذي قد يتضمن عملية عسكرية قد تنخرط فيها حكومة نتنياهو بشكل أو بآخر.

أما المواجهة المباشرة فتبقى احتمالا قائما على المدى البعيد وليس القريب، طالما لم يطرأ تغير جوهري على الموقف الأميركي والنوايا الإسرائيلية ومواقف مختلف الأطراف في المنطقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.



إقرأ المزيد