الجزيرة.نت - 12/29/2025 11:23:55 PM - GMT (+3 )
وفقا لتوزيع مواعيد الانتخابات الرئاسية لبلدان أميركا اللاتينية خلال عامي 2025 و2026، تبدو المعركة محسومة لصالح واشنطن، من حيث ضمان فوز حلفائها بالفترات الرئاسية القادمة، بشكل يسهل للرئيس الأميركي ترامب التصعيد العسكري بأريحية واضحة في ملف فنزويلا، فيما تبقى من فترته الانتخابية التي ستنتهي في يناير/كانون الثاني 2029.
ولفهم ملامح الخريطة الانتخابية، من المهم أن نعرض مواعيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أهم بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، ونرصد حظوظ حلفاء واشنطن في الفوز بها.
تمثل الانتخابات القريبة في كولومبيا والبرازيل، كأكبر دولتي جوار لفنزويلا، الرهان الأهم لواشنطن، لا سيما أنهما تعتبران حجر عثرة بالنسبة لها حتى الآن في تضييق الخناق البري على فنزويلا.
ويبدو أن هذا العائق سيتبدد قريبا في كولومبيا، مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستجرى تباعا في مارس/آذار، ويونيو/حزيران.
فالمعارضة اليمينية في كولومبيا لا تجد حرجا في التباهي بالدعم الأميركي لها، والتلويح عبر ترسانتها الإعلامية الضخمة بعملهما معا لطي صفحة الرئيس غوستافو بيترو، كأول رئيس يساري كولومبي، ودفن أحلام اليسار في العودة للحكم إلى الأبد، دون مبالغة.
ويكاد يكون من المؤكد أن واشنطن تحث الخطى للتصعيد برا ضد فنزويلا، بناء على هذا المشهد، مباشرة مع تولي الرئيس اليميني القادم المنصب في أغسطس/آب 2026، وهو الرهان الأغلى، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن كولومبيا تحتضن سبع قواعد عسكرية أميركية.
في المقابل، يبدو أن المشهد الانتخابي القادم في البرازيل سيكون استثناء في موجة الانتصارات اليمينية الأخيرة التي عاشتها المنطقة في الأرجنتين، وباراغواي، والإكوادور، وتشيلي، وبوليفيا، وبيرو. حيث ترجح استطلاعات الرأي فوزا مجدَدا للرئيس الحالي سيلفا دا لولا لفترة ثانية، وسط ضبابية في توزيع القوى البرلمانية.
إعلان
لكن، في الحقيقة، لا تجدر المقارنة بين موقف الرئيس الكولومبي بيترو ونظيره البرازيلي دا سيلفا من الأزمة الفنزويلية. فالاثنان لا يعربان عن دعم غير مشروط للرئيس الفنزويلي مادورو، لا سيما فيما يتعلق بفوزه الأخير المثير للجدل بالرئاسة، لكنهما يرفضان بشكل قاطع أداء الرئيس الأميركي في الملف الفنزويلي، وتجاه المنطقة عموما.
غير أن لغة التحدي للرئيس ترامب تختلف بينهما؛ فالرئيس البرازيلي يبدي قدرا من القوة المخلوطة بالدبلوماسية في خطابه نحوه من جهة، ومن جهة أخرى لا يخفي امتعاضه من أداء الرئيس الفنزويلي مادورو، الذي وصل إلى حد وصفه بغير الديمقراطي في بعض المناسبات.
أما الرئيس الكولومبي بيترو، فلا يدخر جهدا في تحدي نظيره الأميركي، ويعامله على قاعدة الند للند، لكنه يخفف من حدة نقده لجاره الفنزويلي، ربما على قاعدة "أنا وابن عمي على الغريب". ولهذا السبب، تمثل إزاحة الرئيس بيترو من المشهد السياسي القادم الهدف الأهم بالنسبة لواشنطن.
لا يمكن التخفيف من احتمالية حدوث تصعيد عسكري أميركي يستهدف الداخل الفنزويلي قريبا، في ظل الاطمئنان إلى اتساع رقعة حلفاء واشنطن
على صعيد آخر، وفيما يتعلق بالخريطة الانتخابية في بلدان أميركا الوسطى ومنطقة الكاريبي، تكاد الأمور تكون محسومة لصالح واشنطن، باستثناء الوضع الحالي في المكسيك، وكوبا، ونيكاراغوا، المصطفة يسارا.
حيث أثبت رئيس بنما، خوسيه مولينو، الفائز بالمنصب في مايو/أيار 2024، انصياعه الكامل لأوامر واشنطن منذ عودة الرئيس الأميركي ترامب في يناير/كانون الثاني الماضي، سواء فيما يتعلق بالصراع الأميركي الصيني على قناة بلاده، أو دور بنما في الهجرة غير النظامية نحو الولايات المتحدة، أو مؤخرا في ملف فنزويلا.
أما رئيس السلفادور، نجيب بوكيلة، الذي جدد فوزه في يونيو/حزيران 2024 بالرئاسة، وقام بتعديل دستوري يمنحه رئاسة مدى الحياة، فقد اتسمت علاقته بالرئيس الأميركي ترامب بالتناغم تجاه كل الملفات الإقليمية الحالية. ولن يكون المشهد في كوستاريكا مختلفا، لا سيما في ظل تنامي حظوظ اليمين بالفوز في الانتخابات التي ستجرى في فبراير/شباط القادم.
وفي الجهة الشرقية للقارة، تتماهى مواقف حكومات الدويلات، على اختلافها، مع القرار الأميركي، امتثالا أكثر منه اقتناعا بأجندة واشنطن في المنطقة. ولعل أهم هذه الدويلات وأقربها جغرافيا لفنزويلا نذكر: ترينيداد وتوباغو، التي أبدت استعدادا لمنح مطاراتها وسواحلها لأي عملية لوجيستية أميركية محتملة.
ومن غير المستبعد أيضا أن تعرب جمهورية غويانا قريبا عن نفس الاستعداد لتقديم هذه الخدمة لواشنطن، لا سيما أنها كانت قد استأسدت سابقا بالولايات المتحدة في صراعها مع فنزويلا بشأن إثبات ملكيتها لمنطقة إيسيكيبو، التي تمثل موضوع نزاع بين البلدين منذ حوالي قرنين.
ويبقى المشهد العام في المنطقة، حتى في دول مثل جمهورية الدومينيكان، أو هاييتي، أو سورينام، أو غويانا الفرنسية، إن لم تحذُ حذو ترينيداد وتوباغو، محكوما بالحياد أو الصمت عن أي خرق تقترفه الإدارة الأميركية للقانون الدولي.
وهي مواقف تعكس حالة الرعب التي حرص الرئيس ترامب على نشرها بين شعوب المنطقة، وفي العالم عموما، والتي ترجمتها نتائج بعض الانتخابات مؤخرا.
إعلان
حيث مثلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي عاشتها هندوراس، بشكل واضح، حالة التدخل السافر للرئيس ترامب في انتخابات بلدان المنطقة، وإعرابه في الحالة الهندوراسية عن دعمه للمرشح اليميني نصري عصفورة، مستخدما لغة التهديد والوعيد للناخبين في حال التصويت لغيره.
وقد عكس فوز عصفورة "المثير للجدل" حالة الانصياع التي يمكن أن تدفع الناخبين، بشكل عام، لأوامر الرئيس الأميركي، تجنبا لأي سيناريو عقوبات أو تضييقات مالية على بلادهم.
وهو ما تم كذلك في الانتخابات التشريعية للعاصمة الأرجنتينية في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي تدافع فيها الناخبون للتصويت لقائمة حزب الرئيس خافيير ميلي، استجابة لوعد الرئيس ترامب لهم بمنح بلادهم قرضا بـ20 مليار دولار من أجل الخروج من الأزمة المالية الخانقة، لكنه تراجع بعد ذلك.
في الحقيقة، لا يمكن التخفيف من احتمالية حدوث تصعيد عسكري أميركي يستهدف الداخل الفنزويلي قريبا، في ظل الاطمئنان إلى اتساع رقعة حلفاء واشنطن في بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، والسعي لاستكمال السيطرة على دعم ما تبقى من البلدان القليلة، وعلى رأسها كولومبيا.
ويمكن أن نفهم هذا الاستعجال الأميركي في التصعيد من خلال تتالي زيارات وزير الخارجية الأميركي ووزيرة الأمن، لأكثر من مرة إلى الإكوادور في الأشهر الأخيرة، وتوقيع اتفاقيات عسكرية مع الإكوادور وكذلك باراغواي، بشكل يوحي باستخدام هذين البلدين كامتداد للأراضي الأميركية في حال حدوث حرب ضد فنزويلا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إقرأ المزيد


