من "الإبادة" في ميانمار لمخيمات البؤس.. "للقصة بقية" يرصد مأساة الروهينغا
الجزيرة.نت -

8 سنوات مضت على تهجير الروهينغا قسرا من قراهم في ميانمار، ولا تزال قضيتهم عالقة بين وطن مغلق ومخيمات لجوء مكتظة، في ظل غياب حل سياسي يضع حدا لمعاناة ممتدة.

ويعرض برنامج "للقصة بقية" في حلقته بتاريخ 2025/12/29 واحدة من أكثر القضايا الإنسانية تعقيدا وإهمالا في العالم، متتبعا مسار مأساة مسلمي الروهينغا منذ حملة الإبادة التي تعرضوا لها في ميانمار، وصولا إلى واقعهم الحالي في مخيمات اللجوء ببنغلاديش، حيث يعيش نحو مليون لاجئ في ظروف إنسانية قاسية، بدون أفق واضح للحل.

تبدأ الحلقة بتحقيق ميداني يعيد بناء مشهد النزوح الجماعي الذي شهده شمال ولاية راخين في أغسطس/آب 2017، حين شن جيش ميانمار حملة قمع واسعة النطاق دفعت أكثر من 700 ألف من الروهينغا إلى الفرار باتجاه بنغلاديش.

اقرأ أيضا list of 4 itemsend of list

ويستند التحقيق إلى لقطات أرشيفية وصور أقمار صناعية تُظهر إحراق قرى بأكملها، وتدمير ما لا يقل عن 354 قرية، في عمليات وثقتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية.

ويشير التحقيق إلى أن هذه الحملة لم تكن أحداثا متفرقة، بل عمليات منظمة شملت القتل والاغتصاب والحرق المتعمد، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى وصف ما جرى بأنه "مثال نموذجي للتطهير العرقي"، ويبرز شهادات حقوقية تؤكد أن الروهينغا جُرّدوا من أي حماية قانونية، وحُرموا من أبسط حقوقهم، ما جعلهم هدفا مفتوحا لانتهاكات ممنهجة.

وينتقل التحقيق إلى مخيم كوتوبالونغ في منطقة كوكس بازار جنوب شرقي بنغلاديش، الذي يُعد أكبر مخيم للاجئين في العالم، حيث كشفت لقطات جوية واسعة حجم الاكتظاظ، وامتداد آلاف الأكواخ البلاستيكية على تلال طينية غير مستقرة، في بيئة تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات العيش الآمن.

داخل المخيم، ينقل التحقيق شهادات لاجئين من الروهينغا، من بينهم ظفار ميا، الذي يؤكد أن وجودهم في بنغلاديش جاء هربا من القتل في ميانمار، لكنه يصف حياتهم في المخيم بأنها مقيدة، بلا حرية تنقل أو فرص عمل، مع تشديده على أن مطلبهم الأساسي هو العودة إلى ديارهم الأصلية، شريطة الحصول على حقوقهم وضمان أمنهم.

العودة "الطوعية" و"التجريبية"

ويُسلط التحقيق الضوء على مسار "العودة الطوعية" الذي جرى الترويج له منذ عام 2018 عبر مفاوضات بين ميانمار وبنغلاديش، موضحا أن هذه المبادرات لم تسفر عن عودة فعلية للاجئين.

كما يستعرض مقترح "العودة التجريبية" الذي أعلنت عنه ميانمار في يونيو/حزيران 2023، والذي ينص على إعادة 1140 لاجئا إلى مناطق محددة، بدون السماح لهم بالعودة إلى قراهم الأصلية، مع تقييد حركتهم داخل مناطق مغلقة.

ويؤكد ناشطون حقوقيون، من بينهم ماونغ زارني، أن هذه المشاريع لا توفر أي ضمانات حقيقية، لا من حيث حقوق المواطنة ولا حرية التنقل أو التعويض، معتبرين أن الجيش الذي ارتكب الجرائم لا يزال في السلطة، وهو ما يفقد هذه المبادرات أي مصداقية.

وإلى جانب فشل مسارات العودة، يكشف التحقيق عن أزمة إنسانية متفاقمة داخل المخيمات نتيجة الانخفاض الحاد في المساعدات الدولية، ويعرض في هذا السياق تصريحات مسؤولين أمميين وبنغاليين تؤكد خفض الحصص الغذائية بنسبة وصلت إلى 33%، ما أدى إلى حصول اللاجئ على نحو 8 دولارات فقط شهريا، وهو مبلغ لا يكفي لتأمين الغذاء الأساسي.

ويظهر التحقيق كيف انعكس هذا النقص على الحياة اليومية، حيث تضطر عائلات إلى تقليص وجبات الطعام، في حين يواجه الأطفال خطر سوء التغذية. كما تُبرز اللقطات أوضاع السكن الهشة، حيث تعاني الأكواخ من تسرب المياه وانعدام البنية التحتية، في بيئة معرضة للانهيارات الأرضية والفيضانات.

كما يخصص التحقيق مساحة لملف التعليم، مشيرا إلى وجود نحو 400 ألف طفل من الروهينغا في سن الدراسة داخل المخيمات، فعلى الرغم من إدخال المنهاج الدراسي الميانماري بشكل تجريبي، إلا أن فرص التعليم العالي تكاد تكون معدومة، وهو ما ينعكس في شهادات طلاب ومعلمين يؤكدون أن غياب المسار الجامعي يهدد مستقبل جيل كامل.

وتبرز الحلقة أحلام الأطفال، مثل الطالبة ساجدة، التي تعبّر عن رغبتها في أن تصبح طبيبة، لكنها تربط هذا الحلم بالعودة الآمنة إلى ميانمار، مؤكدة أن المخيم لا يمكن أن يكون بديلا دائما عن الوطن.

غياب الإرادة الدولية

وفي الجزء التحليلي من الحلقة، يناقش البرنامج مع الدكتور طاهر الأراكاني، رئيس المؤتمر العام لاتحاد روهينغا أراكان، أوضاع من تبقى من الروهينغا داخل ميانمار، مشيرا إلى أن ما بين 600 و800 ألف لاجئ لا يزالون هناك، في بيئة حرب وصراع مسلح، يتعرضون فيها للتجنيد القسري، والحرمان من الغذاء والرعاية الصحية، بدون وصول فعّال للمنظمات الإنسانية.

ويرى الأراكاني أن غياب الإرادة السياسية الدولية هو العامل الحاسم في استمرار المأساة، معتبرا أن التقارير والقرارات الدولية بقيت حبرا على ورق، بدون آليات تنفيذ حقيقية تحمي ما تبقى من هذه الأقلية.

من جانبه، يحمّل توم أندروز، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مسؤولية نقص التمويل والدعم، مؤكدا أن الاستجابة الإنسانية وصلت إلى نحو 50% فقط من الاحتياجات المطلوبة، ما أدى إلى تقليص برامج الغذاء والتعليم والصحة.

ويؤكد أندروز أن الحل لا يمكن أن يقتصر على إدارة الأزمة داخل المخيمات، بل يتطلب ضغطا سياسيا حقيقيا على سلطات ميانمار لوقف العنف، وتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية، وتهيئة ظروف تضمن عودة آمنة وكريمة للاجئين إلى قراهم الأصلية، وليس إلى "قرى نموذجية" مغلقة.

وتناقش الحلقة أيضا دور العالم الإسلامي، حيث يشير الأراكاني إلى أن المساعدات الإنسانية كانت حاضرة، لكن الغائب هو الموقف السياسي الموحد القادر على ممارسة ضغط فعلي يغيّر ميزان المعادلة.

Published On 29/12/2025

|

آخر تحديث: 22:09 (توقيت مكة)

شارِكْ



إقرأ المزيد