الجزيرة.نت - 12/27/2025 1:48:26 PM - GMT (+3 )
وصْف يطلق على أسلحة ذات قدرة عالية وعشوائية على التدمير وإصابة أعداد كبيرة من الناس، وإلحاق أضرار جسيمة بالعمران والبنى التحتية، دون تحديد دقيق للهدف أو تفريق بين مدني ومقاتل، لذلك يعدّ امتلاكها تهديدا جسيما لا تتهاون الدول في منعه والتصدي له.
وتضمّ أسلحة الدمار الشامل ثلاثة أنواع رئيسية، هي: الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية (Nuclear, Biological and Chemical weapons)، ولذلك غالبا ما يُشار إليها مجتمعة باسم "أسلحة إن بي سي" (NBC weapons).
تاريخ المصطلحظهر مصطلح "أسلحة الدمار الشامل" عام 1937، حين استُخدم لوصف أسراب القاذفات الجوية الضخمة التي كان ينظر إليها بوصفها قوة تدميرية يصعب ردعها، قادرة على ضرب المدن البعيدة عن ساحات القتال المباشرة.
هذا الوصف المبالغ فيه تحوّل إلى واقع دموي في الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، خاصة مع حملات القصف التي طالت مدنا كبرى وأحرقتها مثل هامبورغ وطوكيو، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في ساعات قليلة.
هذا المستوى من الدمار -على ضخامته- بدا محدودا مقارنة بما شهده العالم لاحقا عند إلقاء الولايات المتحدة الأميركية القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية مما أدى إلى إبادة مركز المدينة بالكامل تقريبا، وقتل نحو 66 ألف إنسان على الفور نتيجة الانفجار والحرارة الهائلة المنبعثة منه، قبل أن يرتفع عدد الضحايا بنهاية العام إلى نحو 140 ألفا بسبب الآثار الإشعاعية.
وفي الحرب الباردة، دخل العالم مرحلة جديدة من التهديد الوجودي، إذ عمدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي -إلى جانب قوى كبرى أخرى- إلى تكديس ترسانات ضخمة تضمّ عشرات الآلاف من القنابل النووية والرؤوس الصاروخية والقذائف النووية.
وحوّل تراكم السلاح غير المسبوق هذا الصراع الدولي إلى حالة من الردع المتبادل، وولّد ما عُرف في الأدبيات السياسية والعسكرية باسم "توازن الرعب".
إعلان
وتوازيا مع سباق التسلح النووي، اتجهت أميركا وروسيا إلى بناء ترسانات واسعة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، باعتبارها الركيزة الأخرى لأسلحة الدمار الشامل في العصر الحديث.
ومنذ انتهاء الحرب الباردة، لم يعد الخطر الرئيسي المرتبط بأسلحة الدمار الشامل محصورا في استخدامها المباشر، بل بات يتمثل في اتساع دائرة امتلاكها، واحتمال وصولها وتصنيعها من جهات وأطراف ودول وجماعات مختلفة.
أصناف الإبادة الشاملةتشمل أسلحة الدمار الشامل ثلاثة أنواع رئيسية:
- الأسلحة النووية
من أفتك الأسلحة وأشدها تدميرا على الإطلاق، إذ تعمل وفق تقنية الانشطار النووي التسلسلي لنظير اليورانيوم 235 والبلوتونيوم 239، فتنتج طاقة انفجارية هائلة تعادل ما يُمكن أن تنتجه عشرات ملايين الأطنان من المواد التقليدية الشديدة الانفجار.
وقد انطلق سباق التسلح النووي العالمي في أربعينيات القرن العشرين، في خضم الحرب العالمية الثانية، مما دفع المجتمع الدولي إلى إطلاق سلسلة من المبادرات تهدف إلى الحد من انتشار هذه الأسلحة.
ومن أبرز القوى النووية في العالم: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وكوريا الشمالية والهند وباكستان وإسرائيل وإيران.
وتتمثل المخاطر البيئية لاستخدام الأسلحة النووية في آثارها الفورية التي تشمل الارتفاع الحاد في درجات الحرارة، والانبعاثات الإشعاعية، والطاقة التدميرية الهائلة التي تؤدي إلى احتراق مظاهر الحياة وتلوث الهواء في مناطق الانفجار.
وتترك الأسلحة النووية آثارا طويلة الأمد تتمثل في التشوهات الخَلقية واضطراب التوازن البيئي، فضلا عن مساهمتها في تفاقم استنزاف طبقة الأوزون.
- الأسلحة البيولوجية
يطلق اسم الأسلحة البيولوجية على الكائنات الدقيقة، كالفيروسات والبكتيريا والفطريات، ومجموعة من السموم التي يتم إنتاجها في مختبرات خاصة، وتطلقها بعض الدول أو الجماعات بهدف التسبب في أمراض خطرة لدول أخرى.
ويزيد من خطورة الأسلحة البيولوجية انخفاض تكلفتها وسهولة الحصول على مكوناتها وسرعة تحضيرها ويسر نقلها، مما يجعلها متاحة حتى للأفراد.
وتعدّ الحرب البيولوجية قديمة قدم التاريخ، إذ يعتقد أن أول استخدام لهذا السلاح كان على يد القائد اليوناني سولون عام 600 قبل الميلاد، حينما استخدم جذور نبات هيليوروس في تلويث مياه النهر الذي يشرب منه أعداؤه، وهو ما أدى إلى إصابتهم وسهّل إلحاق الهزيمة بهم.
وهكذا لجأت الجيوش إلى تسميم ينابيع المياه والآبار والعيون والطعام في وجه الجيوش المعادية، وإلقاء الجثث المتعفنة للقتلى والمصابين بالأوبئة في معسكرات أعدائهم حتى تنتشر الأوبئة والأمراض فيهم، محاولين بذلك تحقيق إبادة جماعية بالعوامل البيولوجية.
واستخدمت الأسلحة البيولوجية في العصر الحديث منذ الحرب العالمية الأولى؛ عندما بدأت ألمانيا تنفيذ برنامج سري كان هدفه القضاء على خيول الأعداء، وكان هدفها الأساسي هو نشر الطاعون في سانت بطرسبورغ لإضعاف المقاومة الروسية.
ويُعد السلاح البيولوجي من أخطر أسلحة الدمار الشامل، لما يُحدثه من تفش واسع للأوبئة وتأثيرات صحية عشوائية لا يمكن السيطرة عليها. فهو يضرب المدنيين والعسكريين على حد سواء، ويؤدي إلى انهيار الأنظمة الصحية، وارتفاع معدلات الوفيات، وينشر الذعر وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كما أن آثاره قد تستمر فترات طويلة، مما يجعله تهديدا يتجاوز حدود الصراع العسكري ليطال المجتمع والبيئة بأكملها.
إعلان
- الأسلحة الكيميائية
تعتمد الأسلحة الكيميائية على مواد سامة في هيئة غازات أو سوائل، تُحدث تأثيرات قاتلة عبر خنق الجهاز التنفسي، أو تسميم مجرى الدم، أو إلحاق أضرار بالغة بالجلد، أو شلّ الجهاز العصبي.
وقد شهد التاريخ استخدام هذه الأسلحة فعليا، إذ أُطلقت قذائف محمّلة بغاز الكلور وغاز الخردل ضد القوات المتحصنة في الحرب العالمية الأولى، ثم عادت إلى ساحات القتال مجددا في الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين.
يعود تاريخ استخدام الأسلحة الكيميائية السامة إلى آلاف السنين، عبر تقنيات مثل السهام المسمومة ودخان الزرنيخ والأبخرة الخانقة، وارتبط استخدامها في الحروب بوصمة الوحشية غير المبررة.
تتسبب الأسلحة الكيميائية بأضرار جسيمة تطال جميع مكوّنات البيئة، إذ تؤدي إلى قتل الإنسان والحيوان أو إعاقتهما، كما تُلحق أذى بالغا بالنباتات. ويتم ذلك بتسرب المواد الكيميائية السامة إلى الجسم، إضافة إلى تأثيرها المباشر على الغطاء النباتي عند ملامسة الأوراق أو نفاذها إلى الجذور عبر التربة.
اتفاقيات وعهودوبهدف الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، صيغت عدد من الاتفاقيات الدولية، من أبرزها:
- اتفاقية جنيف 1925
عقب الحرب العالمية الأولى، وقّعت معظم الدول على ما يسمى "بروتوكول جنيف" عام 1925.
وبالرغم من أن هذا البروتوكول لم يحظر استحداث الأسلحة الكيميائية أو إنتاجها أو حيازتها، فإنه حظر استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية في الحروب فقط. وقد وقعت عليه كثير من الدول مع تحفظات تسمح لها باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد البلدان التي لم تنضم إلى البروتوكول، أو الرد بالمثل إذا تعرضت لهجوم بأسلحة كيميائية، ومع الوقت سحبت بعض هذه الدول تحفظاتها وقبلت بالحظر المطلق على استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
- اتفاقات حظر الأسلحة النووية
وتهدف إلى الحظر الكامل للأسلحة النووية، بما فيها تطويرها واختبارها وإنتاجها وامتلاكها ونقلها واستخدامها، أو حتى التهديد باستخدامها.
وتمثل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية عام 1968 أول اتفاق متعدد الأطراف يطبق عالميا، ويرمي إلى حظر الأسلحة النووية حظرا شاملا، كما تعدّ أول معاهدة تتضمن أحكاما تخصّ المساعدة في معالجة النتائج الإنسانية المترتبة على استخدام الأسلحة النووية وتجريبها.
ومن هذه الاتفاقات أيضا معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي تبنتها الأمم المتحدة أواخر 1996، والمعاهدات الإقليمية المنشئة للمناطق الخالية من الأسلحة النووية.
وفي 7 يوليو/تموز 2017، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة معاهدة حظر الأسلحة النووية بعد موافقة نحو ثلثي الدول الأعضاء في المنظمة الأممية، ورغم معارضة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وقوى نووية أخرى، ودخلت حيز التنفيذ يوم 22 يناير/كانون الثاني 2021 بعد أن صدّقت عليها 50 دولة.
وتعدّ هذه المعاهدة مكملة للاتفاقات الدولية السابقة بشأن الأسلحة النووية، ولا سيما معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، والمعاهدات الإقليمية المنشئة للمناطق الخالية من السلاح النووي.
- اتفاقية الأسلحة البيولوجية عام 1972
تعّد أول معاهدة متعددة الأطراف لنزع السلاح تحظر فئة كاملة من أسلحة الدمار الشامل، فقد نصت على حظر إنتاج وتطوير وتخزين الأسلحة البيولوجية، لكنها لم تتضمن آلية محددة لمعرفة ما إذا كانت الدول تقوم بإنتاج هذا النوع من الأسلحة.
جرى التوصل إلى هذه الاتفاقية عقب مفاوضات أُجريت في إطار مؤتمر لجنة نزع السلاح المنعقد في جنيف بسويسرا، وقد فُتحت أمام الدول للتوقيع عليها في 10 أبريل/نيسان 1972، قبل أن تدخل حيّز التنفيذ رسميا في 26 مارس/آذار 1975.
وتُعد اتفاقية الأسلحة البيولوجية امتدادا وتطويرا لبروتوكول جنيف لعام 1925، الذي كان يقتصر على حظر استخدام هذا النوع من الأسلحة دون التطرق إلى إنتاجه أو تخزينه.
إعلان
وفي عام 2002 اتفقت الولايات المتحدة و145 دولة موقعة على معاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة البيولوجية على استئناف محادثاتها للتوصل إلى اتفاق بشأن تعزيز وسائل حظر استخدام هذه الأسلحة، على أن يتم وقف أي عمليات تفتيش على مخزون الأسلحة البيولوجية.
- اتفاقية الأسلحة الكيميائية عام 1993
معاهدة دولية متعددة الأطراف، وُقعت عام 1993 ودخلت حيز التنفيذ عام 1997، تهدف إلى القضاء الكامل على الأسلحة الكيميائية، ومنع استخدامها أو تطويرها أو تخزينها.
تنص الاتفاقية على التزامات صارمة منها: التدمير الشامل للأسلحة الكيميائية، وتفتيش المنشآت ذات الصلة تحت إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ويبلغ عدد الدول الموقعة على المعاهدة 193 دولة.
وقّعت إسرائيل على الاتفاقية دون أن تصدّق عليها، في حين لم توقع أو تصدّق عليها 3 دول هي: مصر وكوريا الشمالية وجنوب السودان.
إقرأ المزيد


