موجة عداء واسعة تطال المسلمين في الغرب
الجزيرة.نت -

كشفت أحداث طوفان الأقصى ليوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تبعها من إبادة جماعية قامت بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أمام مرأى العالم وكاميرات الإعلام الدولي، عن تطور شديد الخطورة لارتفاع الإسلاموفوبيا وموجات العنصرية ضد العرب والمسلمين، حيث أفادت الحكومات والمنظمات غير الحكومية بزيادة حادة في التوترات العنصرية وحوادث الكراهية، كان لها آثار غير متناسبة على المجتمعات المسلمة والعربية.

يعالج هذا المقال واقع الإسلاموفوبيا في العقد الأخير نتيجة صعود اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية، ويتوقف بدقة عند مآلات العنصرية وحوادث الكراهية على العرب والمسلمين عقب أحداث غزة، من خلال تحليل العوامل الهيكلية المحركة لها، وتحديد التوقعات المحتملة على المديين القريب والمتوسط ​​لظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية.

ويستند التحليل والتوقعات إلى بيانات مجموعات الرصد، والصحافة الموثوقة، وتقارير حقوق الإنسان ذات الصلة.

الإسلاموفوبيا بين التعريف والتجليات

رهاب الإسلام، أو الإسلاموفوبيا، أو العنصرية ضد المسلمين، هي شكل من أشكال التمييز والتعصب ضد المسلمين والأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم كذلك.

ولقد صارت الظاهرة منتشرة جدا، وفي تزايد مستمر في الدول الأوروبية وخارجها، وتتغذى على المشاعر المعادية للمهاجرين، وكراهية الأجانب والأحكام المسبقة المرتبطة بالوسط الاجتماعي، حيث تجمع سيرورة التمييز العنصري بين المعتقد الديني وعلامات الاختلاف الأخرى، بما في ذلك الأصل العرقي، أو الديني، أو القومي والمظهر، وهو ما يقود إلى إدراك المسلمين كمجموعة عرقية متميزة.

وقد عرفتها الأمم المتحدة بأنها: " خوف، تحامل وكراهية تجاه المسلمين، ما يؤدي إلى استثارة العداء، والتمييز، وعدم التسامح، بما في ذلك التهديدات أو المضايقات أو الإساءة أو العنف أو التمييز المؤسسي"، في حين اعتبرها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان والمقرر الخاص لحرية الدين أو المعتقد، أنها "ظاهرة مركبة تشمل التعميم والتمييز والتجريد من الإنسانية تجاه المسلمين".

إعلان

وقد أشارت تقاريرهم إلى أن الإسلاموفوبيا تتقاطع مع أشكال أخرى من العنصرية والجندر، وتؤدي إلى انتهاكات للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية.

وإذا كان الرجال والأطفال موضوعا للإسلاموفوبيا في مكان العمل والفضاء العام وفي المدارس، فإن النساء يتأثرن بشكل غير متناسب برهاب الإسلام. لهذا السبب ولأسباب أخرى كذلك، فإن النهج متعدد الجوانب، الذي يأخذ في الاعتبار نوع الجنس، والأسباب المتنوعة للتمييز، هو أمر بالغ الأهمية عند تصميم وتنفيذ وتقييم التدابير المضادة.

ولهذا يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعموم الغرب الحرص على أن تكون سياساتها لمكافحة التطرف والإرهاب منسجمة مع حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والقيم المشتركة التي يدعمها مجلس أوروبا نفسه، من أجل تجنب الوصم والتأثير غير المتناسب على المسلمين.

ولذلك، اقترحت التوصية السياسية العامة المعدلة رقم 5 للجنة الأوروبية الخاصة بمناهضة العنصرية والتعصب والتمييز ضد المسلمين مجموعة واسعة من التدابير الملموسة، التي ينبغي تنفيذها بالكامل.

وفي هذا السياق، تلعب الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام دورا كبيرا في منع الوصم، الذي يؤدي إلى استبعاد المسلمين وتمييزهم. لكن التعريف الذي اقترحته المجموعة البرلمانية المكونة من جميع الأحزاب في المملكة المتحدة، بشأن المسلمين البريطانيين سنة 2019، والتي استندت إلى مشاورات واسعة، شارك فيها خبراء وسياسيون وممثلون عن الجاليات المسلمة، يعتبر الأكثر عمقا، إذ عرف الإسلاموفوبيا بأنها:" متجذرة في العنصرية. إنها نوع من العنصرية يستهدف كل تعبيرات كونك مسلما أو ينظر إليك كذلك".

وهذا التعريف يتميز بكونه يؤكد على العلاقة بين الإسلاموفوبيا والمفهوم الأكثر عمومية للعنصرية، ولا يتضمن نطاقها المسلمين فقط، ولكن أيضا أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم كذلك.

تعد الإسلاموفوبيا، أو التمييز ضد المسلمين، والأشخاص الذين ينظر إليهم كذلك، ظاهرة واسعة الانتشار ومتنامية في الدول الأعضاء في مجلس أوروبا وخارجها.

وإذا كانت الإسلاموفوبيا تعد أحيانا شكلا من أشكال التمييز القائم فقط على المعتقد الديني، فإنه من المهم الإشارة إلى أن المسلمين غالبا ما يخضعون لعملية "عنصرية"، تؤدي بهم إلى أن ينظر إليهم على أنهم مجموعة عرقية، إلى الحد الذي ينظر إلى الأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام، كما لو كانوا "ليسوا من البيض تماما"، أو حتى "غير البيض".

هذه العملية تستند إلى علامات متعددة للاختلاف، بما في ذلك الأصل العرقي، أو القومي، والمظهر والخصائص الثقافية، ويمكن أن تتشابك مع مشاعر العداء تجاه المهاجرين وكراهية الأجانب، وما يتصل بذلك من تحيزات في البيئة الاجتماعية. حتى إن العرب والمسلمين من المجنسين، حاملي جنسية الدول الأوروبية وأميركا أصبحوا موضوعا له، بالرغم من حملهم جنسيات بلدان الاستقبال، بل ومن الغربيين الذين دخلوا الإسلام.

ولهذا، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في 15 مارس/آذار 2022، قرارا يعلن هذا اليوم يوما عالميا لمناهضة الإسلاموفوبيا.

واقع وآفاق الإسلاموفوبيا لما بعد طوفان الأقصى في الغرب

شهدت المرحلة التي تلت أحداث غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ارتفاعا واضحا في مظاهر الإسلاموفوبيا في عدد من دول الغرب، سواء في الولايات المتحدة، وأوروبا، أو بريطانيا، حيث تظهر البيانات الرسمية وتقارير جمعيات حقوق الإنسان تصاعدا في خطاب الكراهية، والجرائم العنصرية، والتمييز المؤسساتي ضد المسلمين والعرب، في ارتباط وثيق بتصاعد التوترات الجيوسياسية حول القضية الفلسطينية.

إعلان

وقد كان للتعتيم الإعلامي على حرب الإبادة في قطاع غزة، والمضايقات والاعتقالات والعنصرية النامية بشكل مطرد في الضفة الغربية، كبير أثر على تكريس الرواية "الصهيوغربية" للأحداث، بيد أن الأمر سرعان ما سينقلب بدرجة كبيرة بعد تضخم حرب الإبادة هذه، ونتيجة للنقل الإعلامي لما يجري في الميدان من قبل قنوات فضائية عربية، وأخرى دولية محايدة نسبيا، حيث سرعان ما ستكتشف الشعوب الغربية، وخاصة الشباب، والطلبة، والجمعيات الحقوقية، والإيكولوجية، ومناهضي العولمة والنيوليبرالية، والرأسمالية الاحتكارية حقيقة هذه الحرب الإبادية، لتنتعش من جديد السردية العربية الفلسطينية للصراع في المنطقة.

وهو ما دفع أحزاب اليمين واللوبي الصهيوني في بلدان أوروبا وأيضا الولايات المتحدة، نتيجة هيمنتهم على وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، إلى تصعيد خطاب الكراهية والعنصرية بشكل ملفت وخطير للغاية.

الأمر الذي سقطت فيه حكومات بعض هذه الدول، حيث ارتفعت حدة الاعتقالات والمحاكمات والطرد من العمل للعرب والمسلمين، ولكل من أظهر تعاطفا مع فلسطين والقضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق، وعكس ما كان الحال عليه، من الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان، وحرية الدين والمعتقد، على الأقل كما تنص على ذلك المواثيق القانونية المرتبطة بالعلمانية.

فقد شهدت الولايات المتحدة الأميركية ارتفاعا قياسيا في شكاوى التمييز والاعتداءات، إذ أبرز مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR)، وهو أكبر منظمة حقوق مدنية في الولايات المتحدة، واقع الإسلاموفوبيا في تقرير موثق، شمل حوالي تسعة آلاف شكوى ضد المسلمين والعرب في 2024، وهو أعلى رقم منذ بدء توثيق البيانات في 1998، إذ بلغت معدلات هذه الشكاوى ارتفاعا بنسبة 7.4% مقارنة بالعام السابق، حيث قالت المنظمة إن الحرب في غزة كانت دافعا رئيسيا لهذا الارتفاع.

وفي النصف الأول فقط من سنة 2024 سجل المجلس أزيد من خمسة آلاف حادثة كراهية وعنصرية، بزيادة بلغت نحو 70% مقارنة بالنصف الأول من 2023، وقد شملت الانتهاكات الموثقة من بين الشكاوى التي تم توثيقها في الولايات المتحدة: التمييز في العمل (حوالي 15.4%) – قضايـا الهجرة واللجوء (14.8%)- التمييز في التعليم (9.8%)- جرائم كراهية مباشرة (7.5%).

على المنوال نفسه، وبالوتيرة ذاتها، عرفت دول الاتحاد الأوروبي زيادة في الاعتداءات وجرائم الكراهية، ففي بريطانيا رصدت منظمة Tell MAMA نحو 4971 حادثة من الكراهية ضد المسلمين بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و30 سبتمبر/أيلول 2024.

فيما أظهرت تقارير أخرى، حسب تقرير لمرصد الشرق الأوسط أن جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا ارتفعت بنسبة 165% خلال (2022-2024)، وهي زيادة كبيرة مرتبطة بتأثيرات الحرب في غزة.

أما في باقي بلدان أوروبا، فقد أشارت المنظمة الإسلامية للتعاون إلى أن أوروبا شهدت زيادة واضحة في حوادث الكراهية والتمييز بعد طوفان الأقصى، خاصة في النمسا وبلجيكا وبلغاريا، فيما ستحل ألمانيا في مرتبة متقدمة، حيث وثقت الشبكة الألمانية لمراقبة الإسلاموفوبيا سنة 2023 أزيد من ألفَي حادثة معادية للمسلمين في ألمانيا، وهو ارتفاع بنسبة حوالي 114%، مقارنة بعام 2022، حيث تم ربط الكثير من تلك الارتفاعات بتفاقم الوضع بعد أحداث غزة، ليتابع الارتفاع منحاه في سنة 2024، حيث أعلنت تقارير المنظمات الحقوقية أن عدد الحوادث العنصرية والكراهية والتمييز ضد المسلمين بلغت 3080 حالة، وهو رقم يمثل زيادة تقارب 60% مقارنة بعام 2023.

بشكل عام أفاد، حسب التقارير الحقوقية الأوروبية، ما يقرب من نصف المسلمين في الاتحاد الأوروبي بتجاربهم مع التمييز العنصري، وهي زيادة واضحة، مقارنة بالفترة السابقة.

إعلان

وهذا يعني أن كل هذه الأرقام ليست شفافة ولا واقعية، بالنظر إلى أن معظم الحوادث لا يتم التبليغ عنها لاعتبارات أمنية ومضايقات إدارية. فبضغط من اللوبي الصهيوني بالغرب عموما، كانت استجابة الدول والمؤسسات بطرق متنوعة، تختلف من بلد إلى آخر، حسب طبيعة علاقة هذه البلدان بالكيان الإسرائيلي، حيث أشار عدد من منظمات حقوق الإنسان إلى أن الإجراءات الأمنية والإدارية تراوحت بين زيادة مراقبة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين وفرض قيود على المظاهرات، والاعتقالات والمحاكمات، مثلما كان الحال في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يعتبر بشكل صريح، ومرفوض، تطبيقا تمييزيا ضد المسلمين والعرب، حيث يمكن الحديث هنا عن الشرعنة السياسية والمؤسساتية للإسلاموفوبيا ضدا على كل توصيات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، من خلال توظيف واستغلال المقاربات الأمنية والزجرية للنيل من حقوق العرب والمسلمين.

الإسلاموفوبيا بعد طوفان الأقصى: الأسباب والخلفيات

إن تحليل الأحداث المتتالية لما بعد طوفان الأقصى، ودراسة المضامين الإعلامية المرتبطة بالسردية الغربية، يفيد بأن الدافع الأساسي وراء هذا الارتفاع المهول في رهاب الإسلام وشيطنة العرب والمسلمين، يرجع إلى عدد من الدوافع، من جملتها طبيعة التغطية الإعلامية والأطر السردية التي تربط المسلمين والعرب بشكل مباشر بالصراع، بل وبالإرهاب ومعاداة الحداثة، مما يؤدي إلى تعزيز الصور النمطية السلبية.

كما أن الخطاب السياسي الاستقطابي حول الأمن والهجرة والهوية، الذي يستخدم أحيانا توترات الشرق الأوسط لتبرير سياسات قمعية أو مقيدة، لعب دورا كبيرا في تقسيم المجتمعات الغربية بين الأبيض/ الذات، والعرب والمسلمين/ الآخر، وفق رؤية ثنائية تتغذى على الخطاب التنازعي، وهو ما تشهد عليه شبكات التواصل الإعلامي، خاصة منصة تيك توك، حيث بدا واضحا تأثير منصات التواصل الاجتماعي في تضخيم الانفعالات واستدعاء خطاب كراهية أسرع مما يمكن التحكم فيه.

إن التطور المفاجئ للرأي العام في الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، قد كشف بشكل جلي الجهل التام بالإسلام والمسلمين، وبالحضارة العربية-الإسلامية، وواقع الصراع العربي الإسرائيلي، وهو جهل كان وما يزال يرتكز إعلاميا وفكريا على الخطاب الاستشراقي في صلة وطيدة بالرأسمالية الاحتكارية، حيث تبرير الاستعمار والاحتلال يجد إطاره الأيديولوجي في شعارات نقل الحضارة وتعميم الحداثة ومحاربة الإرهاب.

إذا كانت الأدلة الدامغة المستقاة من الدراسات الاستقصائية والتقارير تشير إلى تصاعد التمييز في مجالات العمل والتعليم والحياة العامة، لا سيما فيما يتعلق بالمسلمين الملتزمين دينيا (مثل النساء اللائي يرتدين الحجاب) في فترة ما قبل طوفان الأقصى، نتيجة صعود اليمين المتطرف، فإن الدراسات الاستقصائية الأوروبية منذ عام 2023 قد رصدت تزايدا كبيرا في حالات التمييز في الفضاء العام وفي السكن أيضا، بل الأكثر من ذلك، بات الأطفال العرب والمسلمون موضوعا للتنمر والعنصرية وأحداث الكراهية في الفترة 2023-2025، وهو ما وثقته بالأدلة الجمعيات الحقوقية ذات الصلة، حيث باتت المدارس فضاء خصبا للنزاع وللعنف المدرسي.

هنا وجبت الإشارة إلى أن طبيعة المناهج الدراسية، بالرغم من شعارات الحداثة والحرية والعلمانية، باتت تشجع بشكل مباشر على العنصرية، بالنظر إلى عدم أخذها بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية للمهاجرين من أصول عربية وإسلامية، بمعنى أننا أمام عنف رمزي، بتعبير بيير بورديو، مؤسسٍ على قاعدة التمييز العنصري المدرسي، وهو ما يعد أحد الأسباب الكامنة وراء تنشئة اجتماعية تربوية تتخذ من التعليم آلية من آليات معاداة العرب والمسلمين. 

ولعلنا نجد في رفض الحجاب في المدارس خير مثال على ذلك، ناهيك عن تقديم الإسلام بشكل كاريكاتيري استشراقي ينافي تعاليم الإسلام الحق، أخلاقيا وحضاريا ودينيا.

المستقبل على ضوء تصاعد الإسلاموفوبيا

حسب تحليلات الخبراء والباحثين ومنظمات حقوق الإنسان، خاصة المشتغلة على العنصرية والكراهية والإسلاموفوبيا، فإن المستقبل على المديين القريب والمتوسط ينذر بخطر تقسيم المجتمعات الغربية، بالنيل من التعددية والتنوع والاختلاف لصالح أطر أيديولوجية يمينية مساندة للرأسمالية الاحتكارية وللاحتلال الصهيوني لفلسطين وعموم الشرق الأوسط.

ولذلك، فإذا استمرت الجهات السياسية الفاعلة في تأطير الأمور بطابع أمني، وإذا تزايدت الإجراءات القانونية التي تستهدف المنظمات الإسلامية، فإن الإسلاموفوبيا ستصبح مؤسسية، مما يعني زيادة التمييز المعتاد في السكن والعمل والمشاركة المدنية، وتصاعدا خطيرا للعنف. الأمر الذي يستدعي بشكل عاجل تدابير مؤسساتية وسياسية من قبل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، والأمم المتحدة من أجل تنفيذ إصلاحات مؤسسية مستدامة وإجراءات للمساءلة تحترم روح القوانين والتشريعات ذات الصلة، وهو ما يعني سد الطريق أمام اليمين المتطرف، وباقي الجماعات المتطرفة التي تسعى لتقسيم المجتمعات الغربية من خلال شيطنة العرب والمسلمين.

إعلان

ضمن هذا السياق، يجب على البلدان العربية والإسلامية العمل وفق إستراتيجية شاملة وموحدة لمناهضة العنصرية والإسلاموفوبيا عبر القنوات الدبلوماسية والمؤتمرات الدولية، وكذا البحث العلمي في الجامعات وفق مقاربة تشاركية مع باقي المؤسسات الدولية.

كما يعد تأهيل الإعلام العربي مهمة أساسية من أجل التعريف بالإسلام والثقافة العربية الإسلامية بمختلف اللغات. ناهيك عن تشجيع الجمعيات والمنظمات غير الحكومية العربية والإسلامية على تشبيك مجهوداتها ومساعيها مع المراصد والمنظمات الدولية في أفق توحيد الرؤى والإستراتيجيات.

ولذلك، فدعوة الأمم المتحدة الجمعيات الحقوقية والإنسانية إلى مد جسور الحوار والتواصل من أجل بناء وصيانة التضامن، يجب أن تجد صدى لها في الغرب كما في الشرق، في الشمال كما في الجنوب بشكل متشابك عبر تمويل المبادرات المحلية التي تجمع بين المجتمعات اليهودية والمسيحية والإسلامية وغيرها للحد من الاستقطاب وبناء معايير مشتركة ضد الكراهية والعنصرية.

وعلى المستوى العربي-الإسلامي يمكن العمل على إستراتيجية مشتركة تنطلق من تراثنا الزاخر بمختلف أشكال التعايش والاندماج، إذ يمكن اعتبار تجربة الأندلس تجربة كونية رائدة، يمكن أن تشكل منطلق هذه الإستراتيجية، مما يقتضي إطلاق مشاريع بحث وإعادة إحياء تراث الأندلس التعايشي بمختلف لغات العالم.

إن الحد من الإسلاموفوبيا ممكن في ظل هذا المسعى، فعندما تفعّل الحكومات وتحالفات المجتمع المدني قوانين صارمة لمكافحة جرائم الكراهية، وسياسات مناهضة التمييز، وحملات توعية، مع حماية حقوق التظاهر، يصبح الأمر ملموسا والنتائج مبهرة.

فقد أسفرت الطعون القانونية وجهود المناصرة والدعم والتعبئة عن نتائج ملموسة، شهدها عدد من المدن والبلديات في مختلف الدول الأوروبية، مما يشكل مثالا يحتذى به في هذا السياق.

وهو ما بات يتطلب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، رصد جرائم الكراهية والشفافية، من خلال الاستثمار في جمع بيانات موحدة ومفصلة حول الحوادث المعادية للمسلمين للسماح بالاستجابة في الوقت المناسب. الأمر الذي يقتضي تأسيس مرصد عربي كبير للإسلاموفوبيا يضم أخصائيين وخبراء وباحثين من الصف الأول.

والهدف هو العمل مؤسساتيا على حماية الاحتجاج السلمي وحرية التعبير، عبر ضمان تطبيق القانون بشكل متناسب على المظاهرات، وتجنب الحظر الإداري الذي يستهدف التعبير المؤيد للفلسطينيين، وتطبيق أفضل الممارسات غير التمييزية لإدارة الحشود، حسب هيومن رايتس ووتش، التي دعت، في تقاريرها الأخيرة، إلى وجوب إنفاذ القوانين لمكافحة التمييز بشكل موجه، وتعزيز آليات مكافحة التمييز في مجالات التوظيف والتعليم والإسكان، وتوفير موارد كافية للمساعدة القانونية للضحايا.

ضمن هذا الأفق، ونظرا لما للبيئات الإلكترونية من دور في نشر وتكريس الإسلاموفوبيا، وجب مواجهة الأضرار الإلكترونية المرتبطة بشبكات التواصل الاجتماعي، مع حماية حرية التعبير بدعم شفافية المنصات والتدخلات الموجهة ضد التشهير الإلكتروني، والمضايقات المنظمة، والمعلومات المضللة الموثقة التي تؤجج العنف على أرض الواقع.

خاتمة

وثقت العديد من منظمات الرصد والسلطات الوطنية ارتفاعا حادا في كل من الحوادث المعادية للعرب والمسلمين في الأشهر التي تلت أكتوبر/تشرين الأول 2023. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، بلغت التقارير المقدمة إلى جهات الرصد الوطنية مستويات قياسية في العام الذي تلا 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وبالمثل، سجلت جماعات مناصرة في الولايات المتحدة وأوروبا زيادات في المضايقات والتهديدات والاعتداءات الجسدية الموجهة إلى أشخاص ينظر إليهم على أنهم مسلمون أو عرب.

فيما عرفت أحداث الإسلاموفوبيا في فرنسا وألمانيا ارتفاعا مهولا ما بين 2022 و2024 بلغ أزيد من 114%، وهي حدة خطيرة للغاية. وقد تزامنت هذه الزيادات مع ارتفاعات مماثلة في الحوادث المعادية للسامية، مما يعكس استقطابا خطيرا يعرض المجتمعات الغربية وكذلك السلم العالمي للخطر، خاصة في ظل صراع السرديات، وهو ما يجعل من الصراع القادم، إلى جانب الصراع الأمني، صراعا ثقافيا وإعلاميا وجب أخذه بعين الاعتبار.

لقد أدى التصعيد الصهيوغربي المتعلق بأحداث طوفان الأقصى إلى زيادات ملحوظة في حوادث كراهية الإسلام في العديد من المجتمعات الغربية، والتي ضخمتها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؛ بغية تكريس ودعم السياسات الأمنية للتضييق على العرب والمسلمين.

بيد أن الرهان اليوم ومستقبلا على الخيارات السياسية الأمنية، والإجراءات العقابية سيرسخ التمييز والعنصرية وأحداث الكراهية، بينما يمكن للشفافية والحماية القانونية والتضامن بين المجتمعات أن تخفف من الأضرار وتحمي التعددية المدنية.

ولذلك، يواجه صانعو السياسات والجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمنصات الإلكترونية خيارا صعبا للغاية، فإما السماح لردود الفعل الناجمة عن الأزمة بالتحول إلى تحيز عنصري بنيوي مؤسس، أو التحرك، بحزم، لحماية الحقوق الإنسانية والحد من العداء بين المجتمعات، وبناء التضامن الإنساني العالمي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.



إقرأ المزيد