حياة معلقة للاجئين أفغان على الحدود الإيرانية في انتظار العبور إلى مستقبل مجهول
الجزيرة.نت -

طهران- على مقربة من معبر ميلَك الحدودي، حيث تنتهي الطرق المعبدة وتبدأ الصحراء المفتوحة، تمتد منشآت مؤقتة أشبه بصالات كبيرة مغلقة، خُصصت لاستقبال اللاجئين الأفغان العائدين إلى بلدهم.

وفي هذا الجزء من شرق إيران، لا تبدو الحدود خطا جغرافيا فحسب، بل مساحة انتظار وقلق، تتكدس فيها قصص بشر وجدوا أنفسهم على عتبة الرحيل.

ومن قرب، واكبت الجزيرة نت، في زيارة إلى مخيمَي الغدير في زاهدان وميلك في مقاطعة هيرمند ومواقع التجمع والعبور في محافظة سيستان وبلوشستان، خلال الشهر الجاري، تفاصيل يومية لحياة مؤقتة، تتقاطع فيها الإجراءات الرسمية مع احتياجات إنسانية ملحة، يصعب اختزالها في البيانات وحدها.

على قارعة الانتظار

مع ساعات الصباح الأولى، يبدأ مخيم الغدير بالحركة، فتفتح أبواب الصالات الكبيرة تدريجيا، وتخرج عائلات تحمل أمتعتها القليلة، وفي الداخل، تنقسم المساحات إلى صالات منفصلة للرجال وأخرى للنساء، في حين خُصصت زاوية جانبية بسيطة للأطفال، تحوي ألعابا محدودة وأرضيات إسفنجية.

وينام العائدون ليلهم داخل هذه الصالات، متلاصقين، مستخدمين أكياس نوم موحدة باللون الرمادي، وُزعت عليهم مع بداية دخولهم المخيم، وهي -رغم بساطتها- تشكل وسيلة الحماية الأساسية من برد الليل الصحراوي.

المتطوعة الطبية زينب ساراني: نحاول جعل وضع الناس أقل قسوة (الجزيرة)

عند السابعة صباحا، تبدأ المتطوعة في جمعية الهلال الأحمر من قضاء هيرمند، زينب ساراني، مناوبتها اليومية، فترتدي معطفا ثقيلا، وتحمل حقيبة إسعافات أولية، وتقول للجزيرة نت "في الصيف كان الحر شديدا، والآن البرد هو التحدي الأكبر، والأطفال هم الأكثر تأثرا في الحالتين".

تقوم زينب خلال عملها بقياس ضغط الدم، وتقديم الإسعافات الأولية، ومتابعة التحويلات الطبية، وتوضح أن أغلب الحالات التي يتعاملون معها تتعلق بالإجهاد البدني، ونزف الأنف لدى الأطفال، وفقر الدم، وارتفاع الضغط عند كبار السن.

إعلان

وتقول "نحاول أن لا ينتظر أحد وهو متألم، وحال استدعت الحالة، يتم تحويلها فورا للطبيب الموجود في الموقع أو إلى مستشفى قريب"، وتضيف قبل مغادرتها إلى مناوبتها "لا نستطيع تغيير مصير الناس، لكن نحاول جعل انتظارهم أقل قسوة".

اللاجئون الأفغان داخل المخيمات عند الحدود الإيرانية الأفغانية ممنوعون من العمل (الجزيرة)
أوضاع صعبة

يجلس عبد الله قرب مدخل الصالة المخصصة للرجال، واضعا حقيبة صغيرة بجانبه، وقد عاش في إيران أكثر من 12 عاما، عمل خلالها كعامل بناء في مواقع مختلفة، ويقول "كنت أعمل يوميا وأعيل أسرتي، ولم أتوقع أن تنتهي حياتي هنا، عند الحدود".

ويضيف الرجل الأربعيني وهو أب لـ4 أطفال، بعضهم ولد في إيران، أن القلق يلازمه، فهو لا يعرف من أين يبدأ في أفغانستان، حيث "لا بيت ولا عمل".

يتدخل نعمة الله بالحديث إن "الوضع الاقتصادي في إيران لم يعد كالسابق، والعمل صار صعبا، حتى وإن كان الحال أفضل من أفغانستان".

وفي الصالة المخصصة للنساء، تجلس مجموعات من الأمهات، بعضهن يحتضن أطفالا، وأخريات يراقبن المكان بصمت، وتقول مريم، وهي حامل في الشهر السابع، إنها وصلت إلى المخيم بعد رحلة شاقة، وتضيف "كنت أخاف أن يحدث لي شيء في الطريق، وكنت أفكر أكثر بحال الجنين".

وتؤكد فرق طبية في المخيم أن النساء الحوامل تتم متابعتهن بشكل خاص، وتجرى لهن الفحوصات، مع تحويل الحالات الطارئة إلى مستشفيات قريبة بالتنسيق مع الهلال الأحمر.

وأثناء تواجد الجزيرة نت في المخيم الحدودي، جاءت مواطنة إيرانية تحمل نحو 30 كيسا، يحوي كل منها ما تحتاجه المرأة من المستلزمات الخاصة، وقامت بتوزيعها على اللاجئات.

مساحات للعب والرسم داخل المخيمات للأطفال الذين تقول عوائل بعضهم إنهم لم يتلقوا التعليم في إيران (الجزيرة)
أطفال بلا تعليم

وفي زاوية اللعب المخصصة للأطفال، تحاول فرق الدعم النفسي خلق أجواء أقل توترا، عبر ألعاب بسيطة، وأوراق رسم، وكرات بلاستيكية، لكن خلف هذه المحاولات، تبرز قصة تعليم منقطع.

تقول فاطمة، وهي أم لثلاثة أطفال "بعض أولادي لم يذهبوا إلى المدرسة أصلا، لأننا لا نملك وثائق رسمية"، وتوضح أن أطفالا كثرا من العائلات التي وصلت إلى المخيم لم يستطيعوا الالتحاق بالمدارس في إيران بسبب وضعهم القانوني غير النظامي.

وتقول إحدى المستشارات النفسيات للجزيرة نت "عدم الذهاب إلى المدرسة زاد شعور العزلة لدى الأطفال، وجعل العودة أكثر صعوبة نفسيا".

وتقول الطفلة تمنّى (8 أعوام) التي كانت تحمل دفترا صغيرا رسمت عليه أرقاما وأشكالا "تعلمت الحساب في البيت"، فهي لم تدخل المدرسة يوما، لأن أسرتها لا تملك أوراق إقامة.

وتضيف والدة الطفلة تمنّى بصوت منخفض "كنت أعدها دوما أن تذهب إلى المدرسة يوما ما، لكن لست متأكدة من أن السلطات في أفغانستان ستسمح بدخولها المدرسة".

المعاناة تطال اللاجئين الأفغان الصغار والمسنين باعتبارهم أكثر الفئات هشاشة (الجزيرة)
مصير غامض

أما الشاب علي (19 عاما) الذي ولد ونشأ في إيران، لكنه لا يحمل وثائق إقامة دائمة، يقول "كل حياتي كانت هناك، والآن أعود إلى بلد لا أعرفه جيدا"، ويحاول التغلُّب على القلق بشأن غموض مصيره بالضحك والمزاح، رغم أن رفاقه يقولون إنه لا ينام، ويقضي الليل مشيا في فناء المخيم، من شدة التوتر.

إعلان

وبين العائدين، يبرز حضور كبار السن ومعاناتهم، كحال الحاج السبعيني كريم، فهو يتحرك بصعوبة داخل الصالة، مستندا إلى عصاه ويقول "السفر لم يعد سهلا عليّ".

وتوضح فرق الإغاثة أن كبار السن من أكثر الفئات هشاشة، ويحتاجون إلى متابعة طبية مستمرة، خاصة في ظل البرد ونقص الأدوية المزمنة.

تخفيف المعاناة

وإلى جانب الهلال الأحمر، تعمل منظمات مدنية محلية ودولية داخل المخيم، مقدمة خدمات تشمل الرعاية الصحية الأساسية، والدعم النفسي، وتوفير مساحات آمنة للأطفال داخل الصالات، ويؤكد عاملون في هذه المنظمات أن وجودهم يهدف لتخفيف المعاناة الإنسانية خلال هذه الفترة المؤقتة، مع التركيز على النساء والأطفال وكبار السن.

وتؤكد السلطات المحلية أن ما يجري هو "عودة منظمة" للأفغان الذين لا يحملون وثائق إقامة قانونية أو انتهت صلاحيتها، وتقول إن العملية تتم مع توفير خدمات أساسية داخل المخيمات.

لكن داخل الصالات، تبدو هذه المصطلحات بعيدة عن مشاعر العائدين، ويقول أحدهم "نحن فقط ننتظر أن نغادر"، لكن، لا جداول زمنية أو مواعيد محددة للمغادرة هنا، كل ما يعرفه الموجودون أنهم في محطة مؤقتة، قد تطول أو تقصر.

ومع حلول الليل، تُغلق أبواب الصالات، ويعمّ الصمت، وتعود العائلات لتنام متلاصقة داخل أكياس النوم، بحثا عن الدفء، وفي اليوم التالي توفر لهم السلطات الإيرانية السكن والأكل واحتياجاتهم الضرورية، في حين يمنع اللاجئون من العمل في المخيمات.

اللاجئون العائدون إلى أفغانستان لا يعرفون كيف ستكون حياتهم في بلدهم بسبب الظروف الصعبة (الجزيرة)

وتظهر مشاهدات الجزيرة نت من مخيمات الحدود الإيرانية-الأفغانية أن ما يجري يتجاوز كونه إجراء إداريا، بل واقع إنساني يومي لعائلات تعيش بين وطن ومهجر، ووسط مستقبل غير واضح.

وفي تلك الصالات المؤقتة، حيث ينام الناس في أكياس نوم موحدة اللون والهيئة، وتختلط أصوات الأطفال بصمت الكبار، تبقى القصص الفردية: مثل عبد الله، ونعمة الله، ومريم، وفاطمة، وتمنّى، وعلي، شاهدة على حياة معلقة، لا تنتهي بالضرورة عند عبور الحدود.



إقرأ المزيد