من المستفيد من استهداف الصينيين بطاجيكستان؟
الجزيرة.نت -

كابل- لم يبدُ مقتل عدد من المواطنين الصينيين في طاجيكستان -في حادثين خلال أقل من أسبوع- أمرا أمنيا معزولا، بل كشف عن طبقات أكثر تعقيدا في المشهد الجيوسياسي الممتد بين أفغانستان وآسيا الوسطى.

ويأتي هذا في وقت تسعى فيه كابل ودوشنبه إلى تهدئة التوترات والانطلاق نحو حوار سياسي بعد سنوات من خصومة مرت بأسوأ مراحلها خلال السنوات الثلاث الأولى من عودة طالبان إلى الحكم عام 2021، إذ احتضنت طاجيكستان شخصيات معارضة للحكومة الأفغانية الجديدة في كابل.

ورفع وقوع الحادثين في منطقة حدودية حساسة منسوب الأسئلة حول توقيتهما ودلالاتهما والجهات المستفيدة منهما.

وفد طاجيكي زار كابل قبل أسبوع وناقش العلاقات الثنائية بين أفغانستان وطاجيكستان (الخارجية الأفغانية)
تقارب حذر

ويرى خبراء الشأن الأفغاني أن مطلع العام الجاري شهد بوادر انفراج حذر بين أفغانستان وطاجيكستان؛ تمثل في اتصالات أمنية غير معلنة واجتماعات محدودة، وتصريحات أقل حدة من الطرفين.

ويقول مصدر في الخارجية الأفغانية -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت "في خضم هذا التحسن النسبي، جاءت الهجمات ضد المواطنين الصينيين داخل الأراضي الطاجيكية لتقلب موازين الثقة بين كابل ودوشنبه، وتحاول أن تظهر للعالم ولطاجيكستان أن الوضع على الحدود مع أفغانستان هش، وتفتح الباب أمام احتمالات متعددة بشأن القوى التي لا ترغب في تقارب طاجيكي أفغاني".

وأدانت كابل سريعا حادثة مقتل المواطنين الصينيين على الأراضي الطاجيكية، معلنة استعدادها للتعاون الكامل مع السلطات هناك في التحقيق وتبادل المعلومات.

وقال وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي، خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الطاجيكي سراج الدين مهرالدين، إن كابل ودوشنبه نجحتا خلال الأشهر الأخيرة في بناء مناخ من الثقة يمهّد لتطوير التعاون السياسي والاقتصادي والأمني، لكنه حذر من "جهات تسعى لإفشال هذا المسار الإيجابي".

إعلان

كما أكد استعداد حكومته لتعزيز الأمن الحدودي وإجراء تحقيقات مشتركة وتوسيع التنسيق الأمني، معتبرا أن التحرك المشترك ضد الجهات "المخرّبة" بات ضرورة.

وأضاف الوزير الأفغاني أن "الدوائر الأمنية الأفغانية فتحت تحقيقا شاملا لمعرفة من يقف وراء الهجوم الذي استهدف مواطنين صينيين في طاجيكستان".

تحذير من ألغام أرضية في وادي بانج على الحدود بين طاجيكستان وأفغانستان (شترستوك)
من المستفيد؟

ولطالما وُصفت طاجيكستان باعتبارها منصة سياسية وإعلامية للمعارضة الأفغانية منذ 2021. ومع تنامي الإشارات إلى تقاربها مع الحكومة الأفغانية بكابل، تصاعدت مخاوف شخصيات وفصائل معارضة لم تعد تجد بديلا إقليميا لدعمها.

ويقول الخبير الأمني عبد الكريم جليلي، إن فصائل المعارضة الأفغانية الموجودة في طاجيكستان تُعد من أبرز قوى المعارضة، إلا أن احتمال مسؤوليتها عن الحادث يظل ضعيفا نظرا للعلاقة الخاصة التي حافظت عليها مع دوشنبه خلال السنوات الماضية.

وأشار في حديثه للجزيرة نت، إلى أن هذه المعارضة "لن تغامر بإفساد علاقتها مع طاجيكستان"، معتبرا أن الحادث يرجح فرضية تورط أطراف إقليمية لا ترغب في عودة التقارب بين كابل ودوشنبه بعد قطيعة دامت نحو 5 سنوات.

ويرى مراقبون أن أطرافا إقليمية تمتلك إمكانات مالية وعسكرية متقدمة قد تكون وراء الهجوم، نظرا لقدرتها على تنفيذ عمليات معقدة في مناطق حدودية وعرة كالحدود الأفغانية الطاجيكية، مع إشارتهم إلى أن الطائرة المسيّرة المفخخة لم تُطلق من داخل الأراضي الأفغانية نحو طاجيكستان، بل عبرت الأجواء الأفغانية فقط، في محاولة لإرباك طاجيكستان والصين وأفغانستان في آن واحد.

حساسية إقليمية ودولية

ويشير الخبير الإستراتيجي داود نيازي إلى أن الاهتمام الصيني المتزايد بالشمال الأفغاني منذ الانسحاب الأميركي بات يثير حساسية إقليمية ودولية متنامية، خاصة أن هذه المناطق تتمتع بثراء معدني وتشكل معبرا إستراتيجيا نحو دول آسيا الوسطى.

ويرى نيازي في حديثه للجزيرة نت أن واشنطن تتابع هذا التمدد الصيني "بعين القلق"، معتبرة أنه يعزز نفوذ بكين في منطقة تمس المصالح الغربية مباشرة.

ويضيف أن باكستان تُعد من أكثر الأطراف المتضررة من الانفتاح الصيني المباشر على كابل، بدون المرور عبر "بوابتها التقليدية"، خاصة مع توسع المشاريع الصينية داخل أفغانستان وافتتاح ممرات جديدة تربط الصين بآسيا الوسطى عبر الأراضي الأفغانية.

ومع هذه التحولات، تزايدت مخاوف إسلام آباد من تشكل محور اقتصادي أمني يهمّش دورها في ترتيبات المنطقة.

ويرجح مراقبون أن تصعيد التوتر على الحدود الأفغانية الطاجيكية قد يمثل ورقة ضغط لإعادة تثبيت الدور الباكستاني كلاعب محوري في أي مسار أمني أو اقتصادي يرتبط بإقليم آسيا الوسطى.

وزير الداخلية الأفغانية سراج الدين حقاني التقى بسفير جمهورية الصين🇨🇳 #فانغ_يو في #كابل
وأكد الجانبان على تنمية علاقات سياسية واقتصادية بين البلدين كما طمأن حقاني سفيرالصين أن إمارة أفغانستان تريد تحسين العلاقات الطيبة مع العالم ودول مجاورة ولايسمح أن يكون أفغانستان خطراً على أحد. pic.twitter.com/Dc3DA4CfG0

— المركز الأفغاني للإعلام والدراسات AFG Media Center (@AFGMediaCenter) January 15, 2022

بصمة أمنية

وتشير وزارة الخارجية الطاجيكية، في بيان لها، إلى أن الهجوم الأول نُفذ باستخدام طائرة مسيّرة إلى جانب إطلاق نار مباشر.

إعلان

ويعلق الباحث في الشؤون الأمنية زكريا أميني، بأن استخدام الطائرات المسيرة ضد أهداف مدنية يُعد تطورا غير مسبوق في المنطقة. ويعتقد، في حديثه للجزيرة نت، أن الغاية منه هي الضغط على أفغانستان والحد من قدرتها على ضبط الحدود المشتركة مع دول الجوار.

ويضيف أميني أن "طبيعة الهجوم "تحمل بصمة أمنية واستخباراتية واضحة"، نظرا إلى أن التكنولوجيا المستخدمة في هذا النوع من العمليات لا تتوفر عادة إلا لدى الدول وأجهزتها الأمنية، وهو ما يعكس -برأيه- دوافع جيوسياسية تتجاوز الحادثة الميدانية المباشرة.

وبعد الهجوم الأول دعت بكين رعاياها إلى مغادرة المناطق الحدودية بين أفغانستان وطاجيكستان، لكن قبل تنفيذ القرار وقع الهجوم الثاني الذي أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الصينيين.

ويرى الباحث في الشأن الأفغاني رحمة الله خان أن "هذه الهجمات تكشف عن مشهد أمني معقد تتقاطع فيه مصالح أفغانستان وطاجيكستان والصين، بينما يقع العبء الأكبر على أفغانستان التي تسعى إلى تكريس شرعيتها الإقليمية".

ويؤكد خان، في حديثه للجزيرة نت، أن ما جرى ليس مجرد حوادث عنف معزولة، بل جزء من معادلة جيوسياسية أوسع قد تتداخل فيها أطراف محلية وإقليمية ودولية بصورة مباشرة أو عبر وكلاء.

وفي وقت تتعدد فيه الجهات التي قد تستفيد من عرقلة مسار التقارب بين كابل ودوشنبه، تبقى النتائج النهائية مرهونة بمخرجات التحقيقات المشتركة بين كابل ودوشنبه وبكين.



إقرأ المزيد