الجزيرة.نت - 12/3/2025 9:58:25 PM - GMT (+3 )
موسكو- يصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي، غدا الخميس، لحضور القمة الهندية الروسية السنوية الـ23، في أول زيارة له إلى الهند منذ اندلاع الحرب ضد أوكرانيا، وفي إحدى رحلاته النادرة خارج روسيا.
وتحمل هذه الزيارة ثقلا جيوسياسيا عميقا لموسكو، إذ تُمثل فرصة لتعزيز علاقاتها مع الهند وإظهار أن روسيا لا تزال تمتلك شركاء أقوياء خارج أوروبا والولايات المتحدة.
وللزيارة قيمة إضافية لكلا البلدين؛ فعلى مدى عقود طويلة تتمتع روسيا والهند بواحدة من أكثر العلاقات الإستراتيجية موثوقية في العالم منذ الحقبة السوفياتية، حيث ساهمت روسيا في رسم ملامح صعود الهند كقوة عسكرية وتكنولوجية، من الدفاع والفضاء إلى الطاقة النووية والنفط.
كما تكتسب زيارة بوتين الحالية أهمية خاصة، إذ تأتي في وقت أصبحت فيه الهند سوقا حيوية للنفط والأسلحة والتجارة الروسية مع إغلاق الأبواب الغربية بسبب الحرب مع أوكرانيا.
أما بالنسبة للهند، فلا تزال تقنيات الطاقة والدفاع الروسية أساسية، حتى مع تنويع اقتصادها، ولا يزال الجيش الهندي يعتمد بشكل كبير على الأنظمة الروسية من الطائرات المقاتلة والدبابات إلى الصواريخ والغواصات.
ويقول الكرملين، إن المناقشات بين بوتين ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، ستشمل منصات دفاعية رئيسية، مثل توريد وتصنيع مقاتلات الشبح سوخوي سو-57 من الجيل الخامس، وأنظمة الدفاع الجوي إس-400، التي لعبت دورا حاسما في حماية حدود الهند خلال عملية سيندور ضد باكستان في مايو/أيار الماضي.
وعادة ما تشيد موسكو بموقف الهند بشأن الصراع الأوكراني، وقد تُمثل هذه الزيارة واحدة من أكبر عمليات إعادة الضبط في العلاقات الروسية الهندية منذ سنوات.
وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن موسكو تُقدّر الهند كشريك رئيسي، ولن تسمح لضغوط دول ثالثة بتشكيل التجارة الثنائية.
الأمن والاقتصادووفق مراقبين روس، سيكون التعاون الدفاعي محوريا في الزيارة، مع احتمال إجراء محادثات عن وحدات إضافية من نظام إس-400، ومقاتلة الجيل الخامس سو-57، والعديد من المشاريع المشتركة عالية التقنية.
إعلان
كما يتوقعون أن تتناول المحادثات القضايا الرئيسية للشراكة الإستراتيجية بين البلدين، إضافة للقضايا الدولية والإقليمية الراهنة، وستشكل فرصة لمراجعة شاملة لأجندة العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية والإنسانية.
ويقول الباحث في معهد الاقتصاد والسياسة الدوليين، جومابيك سيرابيكوف، إن الزيارة تأتي في وقت تتعرض فيه نيودلهي لضغوط متزايدة من الغرب، والولايات المتحدة خاصة، لخفض مستوى علاقاتها بموسكو وتقليص مشترياتها من النفط الخام الروسي.
ويوضح للجزيرة نت، أن مشتريات الهند من النفط الخام الروسي ارتفعت من أقل من 1% من إجمالي وارداتها النفطية قبل الحرب في أوكرانيا إلى ذروة بلغت نحو 40%، مما جعلها أكبر مشترٍ للنفط الخام الروسي المنقول بحرا وثاني أكبر مشترٍ للخام الروسي بعد الصين.
ولكن -يتابع سيرابيكوف- فرضت رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية ضغوطا على نيودلهي، إذ تنبع نصف الرسوم الجمركية البالغة 50% التي فرضتها إدارة ترامب على الهند في أغسطس/آب من شراء البلاد النفط الروسي.
ويضيف، تبعت الرسوم الجمركية الأميركية عقوبات ثانوية فرضتها واشنطن على شركتي "لوك أويل" و"روسنفت" الروسيتين، ما يعني أن المشتريات الهندية من النفط الروسي ستنخفض، لا سيما مع استجابة الشركات الهندية فعلا للعقوبات، حيث حظرت دخول سفن النفط الخاضعة للعقوبات إلى 14 ميناء بجميع أنحاء البلاد.
وفي رأيه، يمكن النظر إلى زيارة بوتين كمحاولة لتعويض انخفاض مشتريات النفط بتنويع العلاقات التجارية، إذ سيسعى الجانبان إلى مجالات أخرى للتعاون، كتسريع وصول العديد من المنتجات الهندية إلى الأسواق وتوقيع اتفاقية نقل العمالة لإرساء إطار للهجرة القانونية للعمال الهنود المهرة لدعم روسيا في القطاعات التي تعاني من نقص في العمالة، مثل خدمات تكنولوجيا المعلومات.
تعزيز الثقةمن جانبه، يقول محلل الشؤون العسكرية إيغور كوروتشينكو، إن الزيارة بالغة الأهمية بالنسبة للبلدين. ويشير إلى أن المجال النووي المدني يُعد أيضا رئيسيا للتعاون، حيث تشارك روسيا في أكبر مشروع للطاقة النووية في الهند، وتجري مناقشات لتوسيع هذا التعاون ليشمل مجالات أخرى مثل تطوير مفاعلات وحدات صغيرة.
ويتوقع المتحدث أن تعلن في الزيارة صفقات دفاعية جديدة. ويوضح أن أكثر من 50% من المنصات العسكرية الهندية العاملة لا تزال من أصل روسي، لكن كان هناك انخفاض مطرد في واردات الهند من المعدات العسكرية الروسية.
وحسب قوله، فقد قدّم الصراع القصير مع باكستان، في وقت سابق من هذا العام للهند، دروسا في جدوى المعدات العسكرية الروسية.
ورغم أن الهند لم تُقدّم أيّ طلبات دفاعية كبيرة من روسيا منذ بدء حرب أوكرانيا، فضلا عن أن موسكو أعطت الأولوية لاحتياجاتها الدفاعية، إلا أن الهند ستستغل زيارة بوتين لمواصلة شراء طائرات مقاتلة من طراز سو-57 من روسيا من الجيل الخامس، إلى جانب أنظمة دفاع صاروخية متقدمة.
ويرى كوروتشينكو أنه إذا ما نجحت هذه الصفقة، فستشير إلى ثقة متجددة في روسيا كشريك دفاعي، بالرغم من أن اتجاه الهند الطويل الأمد نحو التعاون مع روسيا لا يزال غامضا.
إعلان
ولا يستبعد أن تخضع الهند للضغوط الاقتصادية الأميركية، لكنها -حسب المحلل- لن تتراجع عن قضايا جوهرية أخرى. ويوضح أن الهند بحاجة للتوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة وإلغاء الرسوم الجمركية المفروضة عليها. لذلك، تتخذ خطوات تجنبها سوء العلاقات بواشنطن حاليا.
في المقابل، من المستحيل إقامة بنية أمنية أوراسية دون موافقة روسيا والهند والصين، لذلك، تتعزز العلاقات بين روسيا والهند باطراد عاما بعد عام، وستبقى الهند ثابتة في موقفها بشأن قضية أوكرانيا، ولن تتخلى عن موقفها الحيادي رغم الضغوط الغربية.
إقرأ المزيد


