الجزيرة.نت - 11/23/2025 8:09:15 PM - GMT (+3 )
تونس- أفرج القضاء التونسي، الخميس الماضي، عن 5 أعضاء من حركة النهضة، في خطوة فاجأت المتابعين للشأن التونسي، في ظل أسبوع اتسم بموجة واسعة من الاحتجاجات وحالة غليان اجتماعي وسياسي غير مسبوقة ضد السلطة.
وفتح القرار المجال أمام تساؤلات حول دلالات الخطوة في هذا التوقيت الذي تصاعدت فيه الضغوط الداخلية على السلطة بخصوص ملفات المساجين السياسيين والمحاكمات السياسية، وإن كانت ستفتح باب الأمل لحصول انفراج؟
ورغم أن بعض المراقبين رأوا في القرار إشارة إيجابية تأتي في سياق متوتر، فإن آخرين استبعدوا وجود أي مؤشر حقيقي على انفراج قريب، معتبرين أن ما جرى لا يتجاوز حدود الإجراء القضائي العادي، الذي لا يغيّر في منطق الصراع القائم ولا في النهج المعتمد من السلطة.
يُشار إلى أن أغلب المعتقلين السياسيين ينتمون لحركة النهضة، وعلى رأسهم زعيمها راشد الغنوشي، الذي حرّكت السلطة ضده عددا من القضايا يعتبرها المحامون ملفقة وتفتقر إلى أي أدلة، وأنها تهدف إلى تصفية خصوم السلطة وإقصاء المعارضة السياسية.
يوضح القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي أن قاضي التحقيق أطلق الخميس الماضي سراح كل من عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة محمد القلوي، والكاتب العام الجهوي للحركة بمحافظة بن عروس محمد بوخاتم، وعضويْ المكتب الجهوي في بن عروس لطفي كمون، وتوفيق بن عمار، وابنه شعيب.
ويؤكد الشعيبي للجزيرة نت أن قاضي التحقيق وبعد استماعه للشهادات، قرر أن تستمر محاكمة المتهمين وهم في حالة إطلاق سراح، في قضية تعود أطوارها إلى الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 التي فاز فيها الرئيس قيس سعيد وشابتها انتقادات عديدة حول نزاهتها، بحسب المعارضة.
ويوضح أن إطلاق سراحهم جاء نتيجة استنتاج قاضي التحقيق أن ملفهم لا يوجد فيه أي ركن من أركان الجريمة، ومع ذلك سيبقون على ذمة القضاء في هذه القضية.
إعلان
وجرى اعتقال المتهمين على خلفية مراسلات هاتفية قامت الشرطة بالبحث فيها، فوجدت أنهم يتبادلون الآراء حول الوضع العام والقضايا السياسية ويتحدثون عن الوضع الصعب للمعتقلين السياسيين في قضية التآمر على أمن الدولة.
وأشار الشعيبي إلى أن الجهات الأمنية برّرت اعتقال هؤلاء بحجة أن "المراسلات التي وُجدت في هواتفهم تشكل نوعا من التآمر على أمن الدولة"، وهو "التبرير نفسه الذي استخدمته السلطة سابقا لتلفيق التهم ضد خصومها السياسيين" حسب قوله.
تشديد العقوباتوفي قراءته لقرار الإفراج، يستبعد الشعيبي أن يكون ما حدث خطوة نحو الانفراج السياسي، قائلا إنه لا توجد أي إشارات سياسية تدل على وجود نية للإفراج عن بقية المعتقلين السياسيين الذين يحاكمون في قضايا وصفها بـ"الجائرة".
ويضيف، في تصريحه للجزيرة نت، أن ما قام به قاضي التحقيق لا يعدو أن يكون "إجراء قضائيا عاديا اتخذه لغياب أي أساس قانوني للتهم الموجهة إلى أعضاء حركة النهضة الخمسة"، مؤكدا أن محاكمتهم ستستمر وهم في حالة سراح.
ولا يستبعد الشعيبي أن تواصل السلطات التونسية تشديد العقوبات على المساجين السياسيين، بعد صدور أحكام ابتدائية قاسية في أبريل/نيسان الماضي، بلغت في بعضها حد 66 سنة سجنا، في قضية "التآمر 1″، التي تفتقر إلى الأدلة وتغيب عنها التحقيقات والمكافحات وفق هيئة الدفاع.
ويرى أن "السلطة غير مستعدة للاستجابة لصوت الشارع رغم تتالي المسيرات الاحتجاجية"، وآخرها المسيرة التي خرج فيها الآلاف أمس السبت تحت شعار "ضد الظلم" للمطالبة بإسقاط النظام واستعادة الديمقراطية وإطلاق سراح المعتقلين.
ويعتبر الشعيبي أن مظاهرة الأمس، شكّلت "خطوة مهمة لرصّ الصفوف وتعبئة الشارع"، موضحا أنه لمس تحولات لافتة داخل الساحة السياسية، توّجت بمسيرة جمعت مختلف المكونات المعارضة، وذابت فيها الخلافات السياسية لصالح وحدة المطالب دفاعا عن الحرية والديمقراطية.
ويرى الشعيبي أن "أبرز ما ميّز مسيرة أمس السبت هو التحام المطالب السياسية بالمطالب الاجتماعية، في نقلة نوعية للحراك الشعبي توحّد فيها الشارع ضد النظام المتسلط" حسب وصفه.
من جهته، يستبعد العياشي الهمامي المحامي والناشط الحقوقي وأحد المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة 1″، وجود أي مؤشرات إيجابية للانفراج، رغم قرار إبقاء القياديين الخمسة في حالة إطلاق سراح.
ويقول للجزيرة نت إن "خطاب الرئيس قيس سعيد لا يزال قائما على الوعيد، واتهام المعارضين بالخيانة والعمالة، ما يغلق الباب أمام أي انفراج حقيقي، في ظل خضوع القضاء لهيمنة مباشرة من الرئيس" وفق تعبيره.
ولا يستخلص أي مؤشرات إيجابية أو وجود تغيير للأحكام الابتدائية القاسية في "قضية التآمر"، متوقعا أن "تمضي السلطة في مسار التنكيل والانتقام، في ظل قضاء فقد استقلاليته منذ أن عزل الرئيس 57 قاضيا سنة 2021، ومنح نفسه صلاحية إعفاء أي قاض دون مسوغ أو حق طعن".
ومن المنتظر أن تستأنف جلسة الاستئناف الثالثة المقبلة في قضية "التآمر على أمن الدولة 1" المقررة يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بينما تستعد المعارضة وعائلات المساجين السياسيين لتنفيذ وقفة احتجاجية أمام المحكمة للمطالبة بإطلاق سراحهم وتوفير شروط المحاكمة العادلة ورفض المحاكمة عن بعد مثل ما جرى في الجلسات السابقة.
نقطة تحول لافتةمن جانب آخر، يعتبر الهمامي أن مسيرة "ضد الظلم" التي خرج فيها الآلاف من المتظاهرين من مختلف الانتماءات السياسية نقطة تحول رئيسية وانتقال نحو تحركات أكثر جماهيرية وتعبئة أوسع، بعدما تجاوزت الأطراف السياسية خلافاتها وخرجت جنبا إلى جنب في الشارع.
إعلان
ورأى أن المطالب التي رفعها المتظاهرون عكست توافقا جديدا في المعارضة، بعدما كانت بعض الأطراف ترفض حتى الالتقاء في الشارع.
ويصف الهمامي الوضع العام في البلاد بأنه "بلغ درجة غير مسبوقة من التوتر، بعد أن أصبحت مختلف الأطراف -رغم اختلافاتها- متفقة على أن الوضع مصيبة، وأن السلطة تمارس قمعا واستبدادا كبيرين".
وتأتي هذه التطورات في سياق عام متوتر شهد خلال الأسبوع الماضي تحركات احتجاجية للأطباء الشبان والصحفيين، وأهالي محافظة قابس المطالبين بوقف التلوث وتفكيك الوحدات الملوثة للمجمع الكيميائي، وصولا إلى المسيرة الحاشدة ليوم السبت التي شاركت فيها مختلف مكونات المعارضة والمجتمع المدني.
وتزامنت هذه الاحتجاجات مع مواصلة عدد من السجناء السياسيين إضرابهم عن الطعام، وعلى رأسهم المعارض السياسي جوهر بن مبارك الذي يخوض إضرابا مفتوحا منذ 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط مخاوف كبيرة على حياته بعد نقله إلى المستشفى عدة مرات.
إقرأ المزيد


