إيلاف - 11/19/2025 8:14:13 PM - GMT (+3 )
في ظل حالة من الجدل السياسي والانتخابي، تصدّرت انتخابات مجلس النواب المصري لعام 2025 المشهد العام بعد تصريحات غير معتادة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، تبعتها تحركات عاجلة من الهيئة الوطنية للانتخابات، في وقت تتقاطع فيه الانتقادات مع التأكيدات الرسمية على نزاهة العملية.
بدأ الجدل مع بيان أصدره الرئيس صباح الاثنين، قال فيه إنه تلقى تقارير عن "بعض الأحداث" في دوائر انتخابية محددة خلال المرحلة الأولى، خصوصًا في الدوائر ذات المنافسة الفردية القوية. وطالب السيسي الهيئة الوطنية للانتخابات بـ"التدقيق الكامل" في الطعون والشكاوى، مؤكّدًا استقلاليتها وضرورة اتخاذ ما يلزم للحفاظ على إرادة الناخبين، بما في ذلك إعادة الانتخابات إذا اقتضت الحاجة.
وتزامن ذلك مع نشر عدد من المرشحين مقاطع فيديو تحدثوا فيها عن تعرضهم لانتهاكات قانونية شابت العملية الانتخابية في بعض اللجان الفرعية، في وقت نفت فيه وزارة الداخلية صحة فيديو متداول واعتبرته مصنوعًا باستخدام الذكاء الاصطناعي ومنسوبًا لمنبر تابع لجماعة الإخوان المسلمين.
تصريحات الرئيسبيان السيسي المنشور على حساباته الرسمية دعا الهيئة الوطنية للانتخابات إلى تعزيز الشفافية وإعلان ما اتُّخذ من إجراءات تجاه المخالفات، والتأكد من حصول مندوب كل مرشح على نسخة من كشف حصر الأصوات لضمان تمثيل حقيقي للناخبين داخل البرلمان.
ويقول عماد جاد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن خطاب الرئيس يحمل دلالة مهمة في ظل ما يصفه بـ"العوار في قانون الانتخابات"، ومشكلات تتعلق بآليات التصويت ومنع وجود ممثلي المرشحين أثناء الفرز. ويرى أن تدخل السيسي جاء في توقيت حساس لإعادة الانضباط للعملية الانتخابية، لكنه يعتبر أن معالجة الأزمة تتطلب إصلاحًا للنظام الانتخابي ذاته.
أما تيسير مطر، رئيس حزب إرادة جيل والأمين العام لتحالف أحزاب مصر، فيرى أن بيان السيسي جاء استجابة لحالة الاستياء المرتبطة ببعض الممارسات الخارجة عن الإطار الطبيعي للعملية الانتخابية، معتبرًا أن توجيهات الرئيس أعادت قدرًا من الثقة لدى جزء من المواطنين ووفرت مساحة أوسع لانتعاش المشاركة السياسية، على نحو يعزز مناخ الثقة في العملية الانتخابية.
تحركات الهيئةبعد ساعات من تصريحات الرئيس، عقدت الهيئة الوطنية للانتخابات مؤتمرًا صحفيًا أعلنت خلاله تلقي 88 طعنًا من دوائر مختلفة، مؤكدة استعدادها لإلغاء النتائج في أي لجنة أو دائرة يثبت فيها وجود تجاوزات. وأوضح رئيس الهيئة أن إعادة الانتخابات قد تكون جزئية أو كلية، مؤكدًا أن الهيئة تتعامل مع العملية الانتخابية "بكل شفافية".
وفي اليوم التالي، أعلنت الهيئة إلغاء نتائج الاقتراع على المقاعد الفردية في 19 دائرة، تمثل نحو 27 في المئة من دوائر المرحلة الأولى، وشمل الإلغاء بعض المحافظات بالكامل، من بينها محافظة قنا التي أُلغيت نتائج التصويت فيها كاملة على المقاعد الفردية. ويرى النائب السابق هيثم الحريري أن الهيئة لم تكن لتتحرك بهذه السرعة لولا تصريحات الرئيس، فيما قال عماد جاد إن هذا الحجم من القرارات لم يكن ليصدر دون تدخل رئاسي مباشر.
في المقابل، يقول تيسير مطر إن الهيئة كانت بالفعل بصدد استكمال مراجعاتها وأن قراراتها تعتمد على تقييم قضائي دقيق، داعيًا إلى الحذر من "الشائعات" والتأكيد على أن القرارات الصادرة تأتي بعد دراسة كاملة.
ملاحظات انتخابيةواجهت العملية الانتخابية قبل الاقتراع انتقادات من مراقبين محليين ودوليين ركزت على ضعف المنافسة وغياب أصوات معارضة مؤثرة، وعلى سبيل المثال نشرت وكالة رويترز تقريرًا قبيل الاقتراع بأن العملية الانتخابية في مصر تفتح الباب لمزيد من دعم النظام تحت قبة البرلمان.
ومع بدء التصويت، ظهرت تقارير عن مخالفات تراوحت بين البسيطة وتلك التي اعتبرها البعض مؤثرة في دوائر معينة.
ويقول هيثم الحريري إن المشكلة تكمن في قانون الانتخابات القائم على نظام "القائمة المطلقة"، والذي يرى أنه يخدم القوى المحسوبة على النظام الحالي، لافتًا إلى أن وجود قائمة واحدة بالتزكية تكرر في انتخابات 2015 و2020 و2025. كما تحدث عن دور المال السياسي والتضييق على بعض المرشحين وتفاوت قدرات الدعاية بين المرشحين الموالين للدولة وغيرهم.
ويتفق معه عماد جاد، الذي يرى أن العملية وصلت إلى مستوى "مكشوف ومفضوح"، مشيرًا إلى أن تكلفة الترشح على القائمة الرئيسية قد تصل إلى نحو 100 مليون جنيه، وهو ما يدفع بعض المرشحين إلى محاولة استعادة ما أنفقوه بطرق مختلفة.
في المقابل، ترى شخصيات وأحزاب مؤيدة أن الانتخابات خطوة لتعزيز المؤسسات التشريعية، وأن الطعون والإلغاءات تمثل دليلًا على قوة الرقابة ودور الهيئة في تصحيح الأخطاء، معتبرين أن بيان السيسي يعكس رغبة في ضمان النزاهة بدلًا من تمرير نتائج مثيرة للشك.
النظام الانتخابيتقوم انتخابات مجلس النواب المصري على نظام مختلط بواقع 284 مقعداً للنظام الفردي و284 مقعدا بنظام القوائم المغلقة المطلقة، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما.
وتُشرف على الانتخابات بالكامل الهيئة الوطنية للانتخابات، وهي هيئة مستقلة أُنشئت بموجب دستور 2014. تختص الهيئة وحدها بإدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، ويتألف مجلس إدارتها من عشرة أعضاء من جهات وهيئات قضائية مختلفة، يتم انتدابهم دون تدخل من السلطة التنفيذية.
وبحسب إعلان الهيئة الثلاثاء، تجرى الانتخابات مرة أخرى في الدوائر التي ألغي فيها الاقتراع في يومي الثالث والرابع من شهر ديسمبر كانون الأول المقبل، وتعلن نتائج الجولة الأولى في الحادي عشر من الشهر ذاته، فيما تجرى جولة الإعادة في يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين، لتعلن نتيجتها في الرابع من يناير كانون الثاني 2026.
إقرأ المزيد


