قرار مجلس الأمن.. لماذا رحبت به فلسطين في حين تنتقده فصائل ودول كبرى؟
الجزيرة.نت -

رام الله- ما أن اعتمد مجلس الأمن الدولي، مشروع القرار الأميركي بشأن غزة، حتى سارعت فلسطين الرسمية إلى الترحيب به، مع أن دولا كبيرة تحفظت عليه وفصائل فلسطينية رفضته.

واعتمد المجلس، مساء أمس الاثنين بتوقيت نيويورك، المشروع الأميركي بشأن إنهاء الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، بتصويت 13 عضوا بالمجلس لصالح المشروع، في حين امتنعت روسيا والصين عن التصويت.

ورحب القرار بتأسيس "مجلس السلام" للإشراف على إعادة إعمار غزة حتى استكمال إصلاح السلطة الفلسطينية، وحدد نهاية عام 2027 موعدا لانتهاء ولايته والوجود الدولي المدني والأمني في قطاع غزة.

كما نص على أن استكمال إصلاح السلطة الفلسطينية والتقدم بإعادة الإعمار قد يهيئان الظروف لتقرير المصير والدولة الفلسطينية.

وتحدث القرار عن "إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة في غزة تعمل تحت قيادة موحدة بالتنسيق مع مصر وإسرائيل من مهامها تجريد غزة من السلاح وحماية المدنيين وتدريب الشرطة الفلسطينية، وتأمين الممرات الإنسانية في قطاع غزة.

وذكر أنه مع تقدم سيطرة قوة الاستقرار سينسحب الجيش الإسرائيلي وفق معايير وجدول زمني متفق عليه، وأن للدول المشاركة ومجلس السلام إنشاء كيانات تشغيلية ذات سلطات دولية لإدارة الحكم الانتقالي.

موقف فلسطين

قالت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية إن دولة فلسطين رحبت باعتماد مجلس الأمن الدولي، مشروع القرار "الذي يؤكد تثبيت وقف إطلاق النار الدائم والشامل في قطاع غزة، وإدخال وتقديم المساعدات الإنسانية دون عوائق، ويؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة".

وأكدت دولة فلسطين "ضرورة العمل فورا على تطبيق هذا القرار على الأرض، بما يضمن عودة الحياة الطبيعية، وحماية شعبنا في قطاع غزة ومنع التهجير، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال وإعادة الإعمار ووقف تقويض حل الدولتين، ومنع الضم".

إعلان

وأبدت استعدادها الكامل للتعاون من أجل تنفيذه، وجاهزيتها لتحمل كامل مسؤولياتها في قطاع غزة "في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، باعتبار القطاع جزءا لا يتجزأ من دولة فلسطين".

مواقف ناقدة

انتقدت فصائل فلسطينية بينها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي وحركة المبادرة الوطنية القرار.

وقالت حركة حماس إن القرار "يفرض آلية وصاية دولية على قطاع غزة، كما يفرض آلية لتحقيق أهداف الاحتلال التي فشل في تحقيقها عبر حرب الإبادة الوحشية، وينزع قطاع غزة عن باقي الجغرافيا الفلسطينية ويحاول فرض وقائع جديدة".

وأضافت أن تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة منها نزع سلاح المقاومة ينزع عن تلك القوة الدولية صفة الحيادية ويحوّلها لطرف في الصراع لصالح الاحتلال.

في حين قالت حركة الجهاد الإسلامي إن القرار يفصل القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية ويفرض وقائع جديدة تناقض ثوابت الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى "حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال يكفله القانون الدولي ويشكل سلاح المقاومة ضمانة لهذا الحق".

أما حركة المبادرة فقالت إن "قرار مجلس الأمن حافل بالألغام الخطرة ولا يلبي الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ويتناقض معها، ويفرض وصاية أجنبية مرفوضة على قطاع غزة".

كما تحفظت الصين على مشروع القرار، وقال مندوبها لدى الأمم المتحدة، -خلال جلسة مجلس الأمن- إن "مشروع القرار الأميركي بشأن غزة يمثل مصدر قلق بالغ" لبلاده، موضحا أنه "يتضمن ترتيبات الحكم في غزة بعد الحرب لكن يبدو أن فلسطين غير مرئية فيه بشكل كامل" كما أنه "يفشل في التأكيد صراحة على الالتزام الراسخ بحل الدولتين باعتباره إجماعا دوليا".

في حين قال المندوب الروسي إن بلاده لا تدعم القرار وأصرت على منح مجلس الأمن دورا للرقابة على وقف إطلاق في غزة، مشيرا إلى أن القرار لا يتناسب مع صيغة "دولتين لشعبين" ويفتقر لأي وضوح بشأن أطر زمنية لنقل السيطرة على غزة للسلطة الفلسطينية، وقد يرسخ فصل القطاع عن الضفة الغربية.

التميمي: الترحيب الفلسطيني استند إلى كون القرار ينص على تثبيت وقف إطلاق النار (مواقع التواصل)
دواعي الترحيب الفلسطيني

عن مسارعة فلسطين الرسمية إلى الترحيب بالقرار رغم التحفظات عليه، يقول المحلل السياسي باسم التميمي إن الموقف الفلسطيني استند إلى كون القرار ينص على تثبيت وقف إطلاق النار وحماية الشعب وإدخال المساعدات والمحافظة على وحدة الأراضي الفلسطينية.

وعن موقف الفصائل أوضح في حديثه للجزيرة نت أن الفصائل ذاتها وافقت على خطة ترامب التي اعتمدها مجلس الأمن، وهي خطة سبق وأعلنت دولة فلسطين موافقتها عليها.

أما عن تحفظات الدول الكبرى فيرى أنها "مهمة" في بعض الزوايا، لكنها من زوايا أخرى "تصب في إطار الصراع الدولي ما بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى".

مع ذلك أشار التميمي إلى تحفظات فلسطينية على بعض مضامين القرار، ويرى إمكانية تجاوزها بالتنسيق المستمر مع الأشقاء العرب الضامنين لخطة ترامب والتي هي جوهر قرار مجلس الأمن.

وذكر من التحفظات مرجعيات الأجسام التي سوف تنشأ بما فيها اللجنة الإدارية التي ستدير بشكل مؤقت ولفترة انتقالية قطاع غزة، حيث يشير قرار مجلس الأمن إلى مجلس السلام كمرجعية وليس دولة فلسطين أو حكومة فلسطين.

إعلان

وأضح أن اللجنة الإدارية -وفق الموقف الرسمي الفلسطيني- ضمن المرحلة الانتقالية يجب أن يكون على رأسها وزير فلسطيني يتبع بشكل مباشر لحكومة دولة فلسطين، في حين أن قرار مجلس الأمن، يقول إن كل الأجسام بما فيها اللجنة الإدارية مرجعيتها مجلس السلام.

ويرى "ضرورة أن تنسق القيادة الفلسطينية مع جامعة الدول العربية والأشقاء الأكثر حضورا وتحديدا السعودية ومصر لإقرار اللجنة الإدارية بمرسوم رئاسي وبدعم من جامعة الدول العربية بأسرع وقت ممكن وفرضها كأمر واقع على المجتمع الدولي".

نقطة جوهرية

حول ربط الإصلاحات الفلسطينية بالتقدم نحو الدولة الفلسطينية ومسار سياسي قد يفضي إلى تقرير المصير، يشدد التميمي على "أهمية العمل بشكل يضمن الوصول إلى الهدف عبر تكثيف الجهد الفلسطيني والانتهاء من مسألة الإصلاحات سريعا".

يشير المحلل السياسي إلى ما يراها "نقطة جوهرية وأساسية" في قرار مجلس الأمن، مبينا أنه "للمرة الأولى في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تخرج القضية الفلسطينية مما تحاول إسرائيل دائما أن تعتبره صراعا محليا إلى صراع دولي".

وأضاف "تم تدويل القضية الفلسطينية بهذا القرار وإنشاء قوة دولية، والآن إسرائيل لا تستطيع أن تتصرف بالقضية الفلسطينية أو أن تتخذ أي قرارات سواء تجاه قطاع غزة أو الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف بمعزل عن المجتمع الدولي أو بمعزل عن المنظومة الدولية".

بشارات: الترحيب الرسمي الفلسطيني باعتماد القرار محاولة للبحث عن موضع قدم سياسي للمرحلة المقبلة (الجزيرة)
البحث عن مكان

من جهته يفسر المحلل والباحث السياسي سليمان بشارات الترحيب الرسمي الفلسطيني باعتماد القرار، بمحاولة البحث عن موضع قدم سياسي للمرحلة المقبلة، بعد شعور القيادة السياسية الرسمية بأنها بعيدة ومهمشة عن المسار السياسي المرتبط بمستقبل القضية الفلسطينية.

وعما يحمله القرار من محاذير، فيلخصها بشارات في حديثه للجزيرة نت في ما يلي:

  • جميع النقاط المرتبطة بهذا القرار ذات مساحة زمنية فضفاضة، وتحديد سقف مجلس السلام بعامين، غير ملزم لأي طرف.
  • أبقى القرار على البعد الإنساني والإعمار بيد الولايات المتحدة الأميركية وأعاد موضوع مؤسسة غزة الإنسانية وإن بأدوات ومنهجيات أخرى، لكن تتحكم بها الإدارة الأميركية، مما قد يحول ملف الإعمار والملف الإنساني والمساعدات إلى واحدة من أدوات الابتزاز السياسي.
  • اعتبار مجلس السلام المرجعية الإشرافية والإدارية للمتابعة وتحديدا على القوة الدولية الموجودة في قطاع غزة، يمكن أن يحول هذه القوة لقوة احتلال تسعى لنزع سلاح المقاومة، وبالتالي الذهاب لمواجهة مباشرة مع الشعب الفلسطيني تحت أي ذريعة.
  • في عامي الحرب ظهرت إسرائيل كدولة تمارس الإبادة والتهجير والتدمير الممنهج بقطاع غزة، لكن بعد صدور القرار قد تتم تبرئتها وإعادة تجميل مكانتها.
  • لم يتم ذكر الطرف الفلسطيني في القرار كطرف رئيسي، وهو ما يعني تهميش المكانة وشطب العنوان السياسي.
وفق بشارات من مزايا القرار أنه قد يخلق إعادة تموضع لمفهوم "القيادة السياسية الموحدة" (الجزيرة)
ماذا كشف القرار؟

وإضافة إلى ما سبق، يشير بشارات إلى مجموعة نقاط على أنها "مزايا" للقرار، منها:

  • أنه كشف حقيقة الموقف الإقليمي والدولي، وأن الرهان عليه في ما يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية كان رهانا خاسرا، خاصة باتجاه الصين وروسيا، اللتين بتحفظهما منحتا الولايات المتحدة بطاقة تمرير للقرار، وبالتالي شرعنة ما تقوم به، وهنا تأتي المصالح الدولية على حساب القضية الفلسطينية.
  • قد يخلق القرار إعادة تموضع لمفهوم "القيادة السياسية الموحدة" كما كان في انتفاضتي 1987 و2000 حين تحولت القيادة السياسية إلى عنوان فعلي وحقيقي لقيادة القضية الفلسطينية وفرضت نفسها على الجميع.
  • صحيح أن القرار أميركي بالدرجة الأولى، لكن في لحظة ما سيكون الجميع بحاجة إلى طرف فلسطيني يقبل به، وما نلمسه أن الطرف الفلسطيني الميداني الفاعل وتحديدا فصائل المقاومة لم ترحب به، وبالتالي لن يكون هناك إمكانية لتمريره بتلك السهولة.

إعلان



إقرأ المزيد