السوداني يراهن من البصرة على الوعي الانتخابي في جنوب العراق
إيلاف -

إيلاف من بغداد: لم يكن اختيار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للبصرة من أجل إطلاق الحشد الانتخابي مجرد قرار تنظيمي أو خطوة بروتوكولية، بل كان إشارة سياسية مقصودة ومدروسة بعناية.

 فالبصرة تمثل مركز الثقل الاقتصادي للعراق، ومعبراً بحريا يختزن قيمة استراتيجية، وأحد أهم الفضاءات الانتخابية التي تمتلك القدرة على ترجيح موازين المشهد السياسي في العراق.

فهذه المحافظة ليست مجرد كتلة سكانية؛ لكنها حالة وعي سياسي متراكم، وتجربة اجتماعية متداخلة يتفاعل فيها الاقتصاد والهوية والانتماء. ومن ثمّ، فإن مخاطبة البصرة تعني مخاطبة العراق من بوابته الأكثر تأثيرا.

وفي هذا السياق، جاء خطاب السوداني أمام جمهور البصرة قائما على سرد مشاريع تم تنفيذها أو وصلت مراحل متقدمة، لا كقائمة استعراضية، بل كمؤشرات على نهج حكومي حاول أن ينتقل من مرحلة الشعارات إلى مرحلة التطبيق العملي.

مشروع تحلية مياه البحر في الفاو
قد شهدت البصرة خلال الفترة الماضية انطلاق مشروع تحلية مياه البحر في الفاو، وهو مشروع يعد الأكبر في الشرق الأوسط من حيث السعة، إلى جانب إدراج ست محطات تحلية جديدة لمعالجة أزمة الملوحة المزمنة.

كما جرى التقدم في ملف حرق الغاز المصاحب عبر خطط محددة لإنهائه خلال مدة زمنية معلنة، وهو تحول له أبعاد صحية واقتصادية واضحة.

إلى جانب ذلك، تم وضع مصفى الفاو الاستثماري على مسار التنفيذ، وبدأ العمل بمحطة الطاقة الشمسية بسعة 1000 ميغاواط، وافتتحت مرافق صحية جديدة من بينها مستشفى السياب، مع توسع أعمال المستشفيات والمراكز الصحية الأخرى. أما مشروع ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية فقد انتقل من مرحلة التصورات إلى التنفيذ الواقعي مع اكتمال الأرصفة والنفق المغمور، وهو ما يعيد تعريف موقع العراق في خريطة التجارة الإقليمية والدولية.

تحالف سياسي جديد 
غير أن الحدث في البصرة لا يمكن قراءته فقط من زاوية عرض الإنجازات، بل يجب فهمه ضمن السياق الذي يسبق الانتخابات وتشكيل تحالف سياسي جديد يقوده رئيس الوزراء تحت عنوان ائتلاف الإعمار والتنمية.

فهذا الائتلاف يقدم نفسه بوصفه تحالفا قائما على الكفاءة والإنجاز، لا على الانتماءات الضيقة أو الحسابات التنظيمية التقليدية. وهو يحاول إعادة تعريف العلاقة بين العمل الحكومي والمجتمع، عبر الإشارة إلى أن الأداء هو معيار التصويت، وأن الشرعية السياسية تستمد من قدرة الدولة على تقديم خدمات ملموسة، لا من حضور الشخصيات أو الرموز التقليدية.

فرص هذا الائتلاف في الفوز لا تُقاس بخطاب الحشد وحده، بل بقدرته على تحويل ما تحقق في البصرة ومحافظات أخرى إلى رأسمال اجتماعي انتخابي. فالجمهور العراقي، وخاصة في الجنوب، لم يعد يتعامل مع الخطاب السياسي بالانطباع أو الولاء العاطفي وحده، بل بات يبحث عن نتائج قابلة للقياس، ومستوى خدمات، واستقرار معيشي، وقدرة على إدارة الموارد بعيداً عن الهدر والفساد.

وإذا كان التحالف الجديد قادرا على تقديم سردية عمل مدعومة بالأرقام والوقائع، فإن ذلك يمنحه ميزة تنافسية في ساحة انتخابية تتغير معاييرها ببطء، ولكن بثبات.

الخارطة الانتخابية العراقية.. معقدة 
وفي المقابل، يواجه التحالف تحديات موضوعية تتعلق بطبيعة الخارطة الانتخابية العراقية التي لا تزال تتأثر بعوامل الهوية والانتماء والولاءات المحلية، إضافة إلى وجود قوى سياسية راسخة تمتلك شبكات تنظيمية وخبرة انتخابية طويلة.

ومع ذلك، فإن التحالف الجديد يستفيد من عامل الزمن السياسي الحالي، حيث يميل جزء متزايد من الناخبين إلى تفضيل القوى التي تنفتح على الإدارة والنتيجة، أكثر من تلك التي تعتمد على الخطاب الرمزي.

ومع الإعلان عن ائتلاف الإعمار والتنمية بقيادة محمد شياع السوداني، برزت محاولة جادة لصياغة نموذج سياسي مختلف يقوم على منطق العمل والنتائج، لا على إرث الصوت المرتفع أو التاريخ الشعاراتي.

هذا التحالف يأتي محمّلاً بتجربة حكم واقعية، ومسار تنفيذي تشهده البصرة وباقي المحافظات، ما يمنحه أرضية واضحة لتوجيه خطاب للجمهور مفاده أن ما تم تنفيذه يمكن البناء عليه، وما بدأ يمكن استكماله، وما تحقق ليس نهاية الطريق، بل بدايته.

قوة موقف السوداني 
وبالنظر إلى الخارطة الانتخابية، يبدو أن السوداني يدخل المرحلة المقبلة وهو يمتلك ما يحتاجه الأقوياء في السياسة: رصيد إنجاز يمكن أن يشار إليه، وخطاب يستند إلى واقع، وقدرة على قراءة المزاج العام الذي يتجه نحو البحث عن الاستقرار والتنمية بدلاً من الدوران داخل أزمات متكررة.

ومن هنا تبرز البصرة مرة أخرى، ليس فقط كموقع للانطلاقة، بل كركيزة معنوية ورمزية لتحالف يسعى إلى تقديم الدولة بثوبها الخدمي، دولة يتم بناؤها بالعمل، وتُدار بالمسؤولية، ويقاس الأداء الحكومي فيها بأثره في حياة العراقيين.


 



إقرأ المزيد