الجزيرة.نت - 10/25/2025 1:27:02 AM - GMT (+3 )
Published On 25/10/2025
|آخر تحديث: 00:48 (توقيت مكة)
شارِكْ
بعد هدنة قصيرة خادعة نهاية عام 2023، وسّعت إسرائيل حربها على قطاع غزة وارتكبت مئات المجازر بحق المدنيين، لكن هذه المرة كان الاستهداف أكثر منهجية وشراسة ضد من يحملون الكاميرات والميكروفونات.
في الجزء الثالث والأخير من برنامج "الجزيرة بتوقيت غزة"، تتحول الشاشة إلى سجل دام يوثق استشهاد صحفيين آخرين من طواقم القناة، سقطوا واحدا تلو الآخر في سلسلة استهدافات ممنهجة امتدت عبر شهور الحرب الدامية.
تفتح الحلقة على مشهد صادم في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، حيث استشهد مراسل الجزيرة إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي بصاروخ مباشر بينما كانا يغطيان أخبار اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران.
المصور الصحفي أسامة العشي الذي وصل إلى موقع الاستهداف يروي اللحظات الأخيرة بأنه سمع ضربة أولى، ثم بعد 10 دقائق جاءت الضربة الثانية التي حولت السيارة إلى كتلة من النيران.
الخوذة إرث الشهداءوبعد استشهاد الغول، التقط المراسل محمد قريع خوذة زميله الراحل وارتداها في تغطياته، قائلا بصوت محمل بالمسؤولية: "هل يمكن أن نستمر في ذات النفس الذي قطعه إسماعيل؟ ربما الأقدار ساقت هذه الخوذة إلى أن أرتديها أنا، لأكمل ذات النفس وذات الطريق وذات الرسالة"، ولم يكن يعلم أن هذا الإرث سيكلفه حياته بعد أسابيع قليلة.
في دير البلح، سقط مصور الجزيرة علي العطار مصابا بشظايا في دماغه في أثناء تغطيته عمليات القصف، ليفقد جزءا من بصره ويدخل في غيبوبة متقطعة، وفي مخيم جباليا، استهدف فريق الجزيرة بنيران مباشرة عند مدخل المخيم، مما أدى إلى إصابة المصور فادي الوحيدي في رقبته وإصابته بالشلل الدائم.
وفي مخيم النصيرات، استشهد مصور الجزيرة أحمد اللوح في أثناء محاولته توثيق عمليات إنقاذ المدنيين، في استهداف مباشر للصحفيين والمسعفين.
إعلان
وبعد إعلان وقف إطلاق النار الثاني واستئناف الحرب بشكل أكثر ضراوة، اغتيل مراسل "الجزيرة مباشر" حسام شبات في أثناء تغطيته الأوضاع الإنسانية المتدهورة في شمال غزة، حيث كان يوثق مجزرة بيت لاهيا المروعة التي راح ضحيتها عشرات النساء والأطفال.
تحريض وتهديدلم يكن الاستهداف جسديا فقط، بل امتد إلى حملة تحريض وتهديد ممنهجة، فقد نشر الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي مقطع فيديو استهزأ فيه من تغطية أنس الشريف عن الجوع في غزة، واصفا إياها بأنها "دراما مفبركة" و"دموع التماسيح".
لكن الشريف رد من خيمة الصحفيين بحزم: "هذه التهديدات مستمرة متواصلة، في محاولات تحريضية أيضا من قبل جيش الاحتلال عشان (من أجل) أتوقف عن بث هذه المشاهد، لكن أنا هذا واجبي وأنا بنقل (أنقل) الصورة بكل مهنية وبكل مصداقية".
وفي ذروة التصعيد، وبعد انتهاء محمد قريع من بث مباشر عن الأوضاع الإنسانية الكارثية في مدينة غزة، عاد مع مصوره إبراهيم ظاهر إلى خيمة الجزيرة المنصوبة عند أحد مداخل مجمع الشفاء الطبي.
كان بانتظارهما أنس الشريف والمصور محمد نوفل ومساعد التصوير مؤمن عليوة لتناول طعام العشاء. بعد عدة دقائق من تجمعهم داخل الخيمة، باغتهم صاروخ مباشر أطلقته مسيرة إسرائيلية.
استشهد الصحفيون الخمسة على الفور، بالإضافة إلى الصحفي محمد الخالدي الذي كان في الخيمة المجاورة، وفي استهداف آخر داخل مجمع ناصر الطبي في خان يونس، استشهد مصور الجزيرة محمد سلامة.
التغطية مستمرةرغم الخسائر الفادحة والألم العميق، فلم تتوقف التغطية، إذ انضم مراسلون جدد إلى الفريق، وهم شادي شامية ونور خالد في مدينة غزة، بينما استمر مراسلو الجزيرة في الجنوب بنقل الحقيقة من الميدان.
وعلى مدى عامين كاملين من الحرب، لاحقت آلة القتل الإسرائيلية طواقم الصحفيين على امتداد قطاع غزة، ليستشهد منهم أكثر من 250 صحفيا، بينهم شهداء الجزيرة: سامر أبو دقة، وحمزة الدحدوح، ومصطفى ثريا، وإسماعيل الغول، ورامي الريفي، وأحمد اللوح، وحسام شبات، وأنس الشريف، ومحمد قريع، وإبراهيم ظاهر، ومحمد نوفل، ومؤمن عليوة، ومحمد سلامة.
ذاق صحفيو الجزيرة فظاعة القتل وأهوال التدمير ومأساة النزوح ومرارة الجوع، عاشوا مع الناس عند أبواب المستشفيات، وباتوا في خيام متهالكة لم تقهم حر الصيف ولا صقيع الشتاء، مشوا بصمت وثبات في جنازات زملائهم الصحفيين، شهيدا تلو الآخر، لكن رغم ذلك، فإن تغطيتهم لم تتوقف.
وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2025، دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد 471 يوما من القتل والإبادة، ونزع مراسلو الجزيرة الناجون تلك الدروع الصحفية الزرقاء التي لم تفارق أجسادهم طوال 15 شهرا، وعاد مؤمن الشرافي إلى شمال غزة بحثا عن بقايا منزله المدمر في مخيم جباليا.
بعد اتصالات دولية مكثفة، وافقت إسرائيل أخيرا على إخراج المصور علي العطار لاستكمال علاجه في الأردن، كما أُخرج فادي الوحيدي الذي أصيب بالشلل من القطاع بعد ضغوط إنسانية متواصلة.
إقرأ المزيد


