الجزيرة.نت - 9/18/2025 12:54:56 AM - GMT (+3 )

Published On 18/9/2025
|آخر تحديث: 00:45 (توقيت مكة)
شارِكْ
مجددا يأتي الدعم إقليميا ودوليا للحكومة السورية من أجل حل أزمة السويداء، وهذه المرة باجتماع ثلاثي ضم وزير الخارجية السوري ونظيره الأردني والمبعوث الأميركي إلى سوريا، الذين اجتمعوا في العاصمة السورية دمشق 16 سبتمبر/ أيلول 2025، وأعلنوا خارطة طريق للحل تتضمن: المحاسبة بالتنسيق مع المنظمات الأممية، واستمرار تدفق المساعدات الإنسانية لمحافظة السويداء، وتعهد الدولة بالتعويض وجبر الضرر، وضمان توفر الخدمات من الدولة لعودة الحياة إلى طبيعتها، وحماية الطرق والتجارة وحركة الناس، وكشف مصير المفقودين وتحرير المحتجزين، والبدء بمسار مصالحة داخلية.
المجلس العسكري في السويداء الذي يتخذ من الشيخ حكمت الهجري مرجعية له لم يكن طرفا في هذا المسار، ومن الطبيعي ألا تقبل الحكومة السورية بأن يكون المجلس ندا لها في مسار تشارك فيه الدول، لكن غياب المجلس يفتح سؤالا عن فرص نجاح هذا الاتفاق، وعن دور إسرائيل في استمرار تعنت السويداء ورفضها مبادرات الحكومة السورية المستمرة بعد الأزمة التي بلغت ذروتها في يوليو/تموز 2025.
لماذا قد تنجح خارطة الطريق الثلاثية في حل أزمة السويداء؟لأن إسرائيل كانت الفاعل الأكثر تأثيرا في تعقيد أزمة السويداء بتدخلها المباشر ومنعها الحكومة السورية من حسم الموقف، لكنها اليوم قد قطعت خطوات في مسار مفاوضاتها مع دمشق، المسار الذي ترعاه الولايات(من اليسار) المتحدة وتدعمه لوصول الطرفين إلى اتفاق يحقق الاستقرار في سوريا.
كان الشيخ موفق طريف وهو مرجعية الدروز في الجليل ومقرب من حكومة نتنياهو، قد أبلغ الشيخ الهجري مسبقا بأن إسرائيل لن تتدخل لدعم انفصال السويداء عن سوريا، بالتزامن مع نهاية الحديث الإسرائيلي عن دعمها فتح ممر إنساني للمحافظة، وتوجيه رسائل للمجلس العسكري وللشيخ الهجري بالتوجه إلى دمشق والتفاهم مع الحكومة السورية.
ومع هذا التراجع في الموقف الإسرائيلي مع اقتراب إبرام اتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب فإن المجلس العسكري والشيخ الهجري قد فقدا الداعم الرئيسي الذي كان يحرضهما على التعنت ورفض الجلوس على طاولة مفاوضات مع الحكومة السورية؛ لإيجاد الحل أو الحلول لجميع الأزمات المتداخلة والمعقدة التي حصلت وتراكمت بين الطرفين.
إعلان
هناك خلافات داخلية تظهر بين حين وآخر بين الفاعلين المحليين في السويداء، كما أن الجزء الأكبر من المجتمع وقواه السياسية يتحفظون على العلاقة مع إسرائيل وعلى توجه المجلس العسكري والشيخ الهجري إلى الانفصال بدعم منها.
إضافة إلى ذلك فإن مقومات الانفصال للسويداء غير متوفرة في المحافظة التي لا تمتلك الموارد الكافية لأن تقوم بنفسها، فضلا عن التحفظ الأردني من سيناريو الانفصال، ورفض عمَّان فتح معبر حدودي للمحافظة باتجاهها.
ما هي المعوقات أمام نجاح خارطة الطريق الثلاثية لحل أزمة السويداء؟ومع أن فرص الانفصال باتت ضعيفة أو معدمة، فإن المجلس العسكري في السويداء ما يزال يرفض عودة المحافظة إلى التبعية السياسية والإدارية والأمنية والعسكرية للدولة، ويضع نصب عينيه أن يحظى بالإدارة الذاتية مستفيدا من التنسيق في ذلك مع قوات سوريا الديمقراطية "قسَد" شمال شرق البلاد، ومستجديا الدعم الإسرائيلي لهذا السيناريو الذي ربما يتقاطع مع مصالح إسرائيل جنوب سوريا.
يستثمر المجلس العسكري في السويداء والشيخ الهجري في ضعف الحكومة السورية التي ورثت بلدا مفككا ومنهارا ومدمرا، كما ورثت مجموعة كبيرة من الأزمات، لم تسعف الكثير من الوعود بالدعم في حلها إذ لم تتحقق هذه الوعود بعد.
وبالتالي فإن الجهات المناوئة للحكومة السورية اعتمدت في تصلب الموقف على ضعف الحكومة السورية وكثرة التحديات أمامها، وعلى الدعم الإسرائيلي الذي كان يستثمر أزمة السويداء على طاولة مفاوضاته مع دمشق.
بذلك قد يتعنت المجلس العسكري والشيخ الهجري مجددا ويرفضان خارطة الطريق في الاتفاق الثلاثي، خاصة أن هذه الخارطة لن تحقق الحد الأدنى مما يطمحان إليه وهو الإدارة الذاتية للمحافظة، بما تحت هذا العنوان من بعد يتجاوز اللامركزية إلى الفدرالية أو حتى الكونفدرالية.
كيف ستنجح خارطة الطريق في حل أزمة السويداء؟قد لا يكفي الوصول لاتفاق ثلاثي وإعلان خارطة الطريق للتفاؤل فعليا بحل الأزمة في السويداء، صحيح أن الولايات المتحدة والأردن هما الفاعل الدولي والإقليمي القادر على التأثير بشكل جاد في حل هذه الأزمة، وصحيح أن الدول الإقليمية الفاعلة وفي مقدمتها قطر، والسعودية، وتركيا باركت هذا الاتفاق وأعلنت دعمه، إلا أن الشرق الأوسط ما يزال يشهد دورا إسرائيليا يستخدم فرط القوة بشكل متهور يهدد أمن واستقرار جميع دول المنطقة، فضلا عن الصلف السياسي الذي تتجاوز فيه حكومة نتنياهو مصالح الولايات المتحدة، وحتى مصالح إسرائيل ذاتها.
ولكي تنجح خارطة الطريق في حل أزمة السويداء لا بد من تحييد الموقف الإسرائيلي عن الاستثمار في الأزمات السورية، وهذا لن يكون إلا بوصول المسار التفاوضي الذي ترعاه واشنطن بين دمشق وتل أبيب إلى منتج توافقي من التفاهم والاتفاق يضمن موقفا إسرائيليا يساهم بشكل حقيقي في دعم جهود الحكومة السورية.
وهذا لن تقدمه إسرائيل أو تلتزم به إلا بضغوطات أميركية حقيقية وجادة، وضمانات إقليمية ودولية تقنع إسرائيل أن أمنها لن يتحقق بالاستثمار في أزمات سوريا، وإنما بدعم الاستقرار فيها طريقا لاستقرار المنطقة كاملة.
بشكل واقعي فإن إسرائيل- أو حكومة نتنياهو تحديدا- لن تذهب إلى دعم السلام والاستقرار وحل الأزمات في المنطقة، وبالتالي ليس من المنطقي الاعتماد على هذا الموقف للتفاؤل بحل أزمة السويداء، لكن الضغط الأميركي الروسي سيساهم بتحييد الأثر السلبي الذي تدعم به إسرائيل استمرار الأزمة.
إعلان
يحتاج حل الأزمة في السويداء وإنجاح خارطة الطريق إلى استجابة المجلس العسكري والشيخ الهجري وهذا لن يحصل إلا مع فقدانهما للدعم الإسرائيلي، واستفادة الحكومة السورية من الدور الأردني والأميركي المباشر في دعاية حل الأزمة بشكل كامل.
ومن الأمور التي تحسب للحكومة السورية وسوف تساهم في تعزيز فرص حل الأزمة، أن الحكومة امتلكت الشجاعة للاعتراف بأنها أساءت التقدير في تعاملها مع الأزمة في يوليو/تموز 2025، وأنها جاهزة لنقاش أي مطالب، أو تحفظات لدى الجهات المحلية في المحافظة ضمن مبدأ وحدة الدولة واستقرارها.
ماذا يعني حل أزمة السويداء؟ وماذا يعني استمرارها؟إن نجاح خارطة الطريق التي أعلنتها الحكومة السورية في الاتفاق الثلاثي مع الأردن والولايات المتحدة، يعني أن سوريا باتت جاهزة لحل جميع الأزمات في البلاد، وذلك أن حل أزمة السويداء يساهم في تسهيل وصول دمشق وتل أبيب إلى تفاهمات أكبر على مستوى الجنوب السوري.
الأهم أن حل أزمة السويداء سوف يساهم بدعم إقليمي ودولي مماثل إلى حل الأزمة مع "قسد"، وإذا ما وصلت الحكومة في دمشق إلى حل أزمة السويداء وشمال شرق سوريا فإنها ستحقق وحدة سياسية في البلاد لم تكن موجودة لأكثر من 14 عاما، الأمر الذي سيجعل خارطة التعافي والتنمية تسلك سبيلها لتكون واقعا يبدأ شيئا فشيئا مع تحقق الوعود الإقليمية والدولية وتوافد الاستثمارات بشكل واسع إلى البلاد التي تكون حكومتها قد استعادت مواردها الطبيعية والبشرية لتعمل على تسخيرها في رسم مستقبل مختلف لسوريا والسوريين.
في المقابل فإن استعصاء الأزمة في السويداء يعني تأثيرا سلبيا يزيد من استعصاء الأزمة مع "قسد"، وفقدان الدولة لفرصة الاستقرار السياسي الواجب في مسار سعيها للاستقرار الاقتصادي والانتقال للتنمية والازدهار.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إقرأ المزيد