دعم ترامب لنتنياهو.. تفويض بالتصعيد أم ورقة ضغط داخلية؟
سكاي نيوز عربية -

هذا الإعلان، الذي اعتُبر بمثابة ضوء أخضر سياسي، فتح الباب أمام تساؤلات بشأن مدى جدية واشنطن في تفويض إسرائيل لتوسيع عملياتها في غزة، أو ما إذا كان الأمر لا يتجاوز ورقة ضغط داخلية يستثمرها نتنياهو.

خطاب نتنياهو.. استثمار الضوء الأخضر الأميركي

نتنياهو حرص على تصوير دعم ترامب كعنصر حاسم في استمرار العمليات الإسرائيلية بلا قيود تفاوضية. لكن إشارته إلى أن الجيش الإسرائيلي سيتحمل وحده مسؤولية أي إخفاقات عسكرية تعكس وجود خلافات عميقة بين المستوى السياسي والعسكري داخل إسرائيل.

هذا البُعد الداخلي يُظهر أن رئيس الوزراء ليس بصدد إدارة معركة عسكرية فحسب، بل أيضاً مواجهة أزمة ثقة داخلية قد تنفجر في حال فشل العمليات.

من جانبه، قال الباحث في مؤسسة "هيريتيج" نايل غاردنر، خلال حديثه إلى "غرفة الأخبار" على سكاي نيوز عربية، إن واشنطن لا تزال متمسكة باستراتيجيتها الأساسية: القضاء الكامل على حركة حماس.

وأكد أن ترامب ملتزم بدعم إسرائيل عسكرياً واستراتيجياً، معتبراً أن "النصر الساحق" بات الهدف الوحيد المقبول.

غاردنر قارن الموقف الحالي بما جرى مع ألمانيا النازية عام 1945، معتبراً أن استسلام حماس وحده كفيل بإنهاء الحرب.

كما أشار إلى أن قدرات الحركة تراجعت بشدة، سواء من حيث السلاح أو التمويل، وأن طهران بدورها أُضعفت بشكل كبير نتيجة العمليات الإسرائيلية المدعومة أميركياً.

رؤية واشنطن: لا دولة فلسطينية.. بل إعادة إعمار مشروط

كشف غاردنر أن إدارة ترامب لا ترى أي مستقبل لدولة فلسطينية، بل تركز على إعادة إعمار غزة بعد القضاء على حماس، مع تحميل الدول الإقليمية لا الولايات المتحدة تكلفة الإعمار.

وأكد أن ترامب ينظر في "خيارات متعددة" لمستقبل غزة، لكن جميعها تستثني عودة حماس إلى الحكم أو حتى إشراك السلطة الفلسطينية التي وصفها بأنها تفتقد للمصداقية.

هذا الطرح يضع غزة أمام معادلة قاسية: إعادة إعمار مشروطة بتغيير كامل للواقع السياسي في القطاع، مع بقاء مسألة التوطين أو إعادة توطين الفلسطينيين خارج الأولوية الأميركية، بل ربما تُدفع كخيار مطروح على دول الجوار.

أزمة إنسانية غير مستدامة

أوضح غاردنر أن الوضع الراهن في غزة غير قابل للاستمرار، معتبرا أن القطاع أصبح مدمراً بالكامل وغير صالح للسكن.

وأشار إلى احتمال استقبال دول مجاورة لاجئين فلسطينيين بشكل مؤقت، قبل أن يُعاد النظر في عودتهم يوماً ما، محملاً حماس مسؤولية الكارثة الإنسانية الجارية.

كما شدد على أن إعادة الإعمار لن تكون على حساب دافعي الضرائب الأميركيين، بل على عاتق القوى الإقليمية، مؤكداً أن واشنطن تركز على أهدافها الاستراتيجية في المنطقة والمتمثلة في القضاء على حماس وإضعاف إيران.

حماس شماعة لمخطط أوسع

في المقابل، قدّم أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، حسام الدجني، قراءة مغايرة، إذ رأى أن الخطاب الأميركي – سواء في عهد الجمهوريين أو الديمقراطيين – ظل ثابتاً في جوهره، مع وعود متكررة بإنهاء الحرب سريعاً. لكنه أشار إلى أن ترامب نفسه يتناقض، إذ تارة يتحدث عن صفقة جزئية، وتارة أخرى عن حسم عسكري شامل.

الدجني اعتبر أن الموقف الأميركي جزء من استراتيجية أوسع لإعادة هندسة الشرق الأوسط، مستعيداً ما وُصف بـ"خارطة الدم" التي نُشرت عام 2014، قبل وصول ترامب إلى السلطة.

وبرأيه، فإن هدف واشنطن وتل أبيب يتجاوز حماس ليصل إلى مشروع "إسرائيل الكبرى" والسيطرة على الضفة الغربية ومناطق أوسع في المنطقة.

غياب الحل السياسي وتآكل الثقة بالسلطة

انتقد الدجني الطرح الأميركي لكونه يستبعد أي حل سياسي، حتى في حال اختفاء حماس من المشهد. وأوضح أن الفلسطينيين قَبِلوا بحل الدولتين على 22 بالمئة فقط من أرض فلسطين التاريخية، لكنهم لن يقبلوا بالهبوط عن هذا السقف، ما يعني أن غياب الحل سيقود إلى موجات مقاومة جديدة، سواء كانت شعبية أو مسلحة.

كما أشار إلى أن إضعاف السلطة الفلسطينية ومنع الرئيس محمود عباس من حضور اجتماعات دولية يعكس استخفافاً أميركياً بالهوية الوطنية الفلسطينية نفسها، مؤكداً أن واشنطن لا تنظر للسلطة كطرف فاعل أو شريك في أي تسوية مستقبلية.

صراع يتجاوز غزة

شدد الدجني على أن الحرب الحالية ليست مجرد مواجهة مع حماس، بل جزء من مخطط استراتيجي يرمي إلى إعادة رسم حدود المنطقة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية. وربط ذلك بتصريحات مسؤولين أميركيين وإسرائيليين حول إمكانية فرض واقع جديد في سوريا ولبنان، وحتى تهديد الأمن القومي العربي بشكل أشمل.

وأوضح أن ما يحدث في غزة قد يكون مقدمة لحرب إقليمية أوسع، في ظل استعدادات إسرائيلية لسيناريوهات تمتد إلى دول الجوار، معتبراً أن هذا يؤكد الطابع الجيوسياسي العميق للصراع.

مأزق واشنطن.. بين خطاب حقوقي ومصالح استراتيجية

اللافت أن مداخلة غاردنر تعكس موقفاً أميركياً لا يولي اهتماماً كبيراً بالمسار السياسي أو الإنساني، بل ينطلق من مقاربة أمنية صرفة: القضاء على حماس وإضعاف إيران.

في حين يحذر الدجني من أن هذا النهج سيؤدي إلى انفجارات جديدة، لأن الشعب الفلسطيني لا يرتبط بحماس وحدها، بل بوعي وطني ممتد.

هذا التباين بين السرديتين يكشف المأزق الأميركي: واشنطن تريد إنهاء الحرب عسكرياً بسرعة، لكنها في الوقت نفسه تستبعد أي مقاربة سياسية جذرية يمكن أن تضع حداً دائماً للصراع.

بين خطاب نتنياهو الذي يستثمر الدعم الأميركي لتبرير التصعيد، وتحليل غاردنر الذي يختزل المخرج في "القضاء الكامل على حماس"، ورؤية الدجني التي تكشف مشروعاً أكبر لإعادة هندسة المنطقة، يتضح أن حرب غزة تجاوزت كونها معركة ضد فصيل فلسطيني، لتصبح اختباراً لمستقبل الإقليم بأكمله.



إقرأ المزيد