استعدادات حكومية حثيثة قبل استضافة العاصمة العراقية للقمة العربية
إيلاف -

إيلاف من بغداد: تتهيأ العاصمة العراقية بغداد لاستضافة القمة العربية المقبلة في السابع عشر من مايو أيار، في خطوة تحمل دلالات سياسية كبيرة تعكس عودة العراق إلى موقعه الطبيعي ضمن المنظومة العربية، واستعداده للاضطلاع بدوره التاريخي كدولة فاعلة في رسم السياسات والتوجهات الإقليمية.

ورغم أن الحدث يحمل أبعادًا سياسية وإستراتيجية، فإن ما يجري في بغداد اليوم يتجاوز الترتيبات الدبلوماسية التقليدية، ليمثل مشروعًا وطنيًا متكاملاً لإعادة تقديم العاصمة العراقية بصورة تليق بتاريخها ومكانتها، وبما يعكس واقعًا جديدًا يسعى العراق لتكريسه أمام أشقائه العرب.

فمنذ الإعلان عن استضافة بغداد للقمة، بدأت الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، في تنفيذ خطة شاملة لإعادة تأهيل العاصمة، ليس فقط من أجل استقبال القادة العرب، بل أيضًا لتقديم صورة حديثة عن عراق يتعافى بثبات من أزماته، ويعود ليأخذ مكانه المستحق في محيطه العربي.



ومن هذا المنطلق، سعت حكومة السوداني إلى تحويل الاستعداد للقمة إلى مناسبة لتحفيز العمل المؤسسي وتوجيه الموارد نحو مشروعات تطوير عاجلة تمس مظهر المدينة ووظائفها الأساسية.

فقد باشرت الجهات المعنية بتطوير شبكة الطرق الحيوية في العاصمة، وإعادة تأهيل المرافق العامة المحيطة بمقار الاجتماعات والفنادق والمراكز الخدمية، فيما أُطلقت حملات موسعة لتجميل الشوارع وتنسيق المساحات الخضراء وإنارة الميادين. كما تم تشديد إجراءات الأمن والخدمات اللوجستية لضمان حسن استقبال الوفود المشاركة وتوفير بيئة مستقرة ومنظمة تليق بهذا الحدث العربي الرفيع.



ولا يمكن فصل هذا الجهد عن إرادة سياسية واضحة من قبل الحكومة العراقية، التي تسعى عبر هذا الحدث إلى ترسيخ فكرة أن بغداد اليوم هي عاصمة عربية قادرة على احتضان العمل العربي المشترك، وتوفير المناخ المناسب للتشاور وصياغة التفاهمات.

وقد حرص السوداني على متابعة هذه التحضيرات بشكل شخصي، موجها الوزارات والمؤسسات المعنية للعمل بتنسيق عالٍ وتجاوز البيروقراطية لتحقيق نتائج ملموسة على الأرض قبل موعد القمة.



ولا تقتصر رمزية القمة العربية المقبلة على بعدها القومي، بل تندرج أيضًا ضمن مشروع وطني أوسع تسعى الحكومة من خلاله إلى تحويل المناسبات الكبرى إلى محركات حقيقية للتنمية. وتعد هذه القمة جزءا من رؤية شاملة، حيث تهدف إلى استعادة البهاء الحضاري للعاصمة، وتحفيز العمل الخدمي والمؤسسي، وتعزيز ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. فهذه القمة ليست فقط مناسبة سياسية تخص الأشقاء العرب، بل أيضًا فرصة للعراقيين أنفسهم لرؤية مدينتهم تتجدد وتستعيد مكانتها، ضمن مشروع أوسع للنهوض الوطني.

إن ما تقوم به الحكومة العراقية لا ينحصر في تحسين المشهد العمراني أو تقديم واجهة حضارية فحسب، بل يعكس رؤية أعمق تستهدف إعادة بناء الثقة الإقليمية في أحقية ريادة العراق. فاختيار بغداد مكانًا لانعقاد القمة لم يكن خياراً شكليا، بل اعترافا متزايدًا بعودة العراق كطرف موثوق ومؤثر، يسعى لطرح مواقف متزنة إزاء أزمات المنطقة، ويدعو إلى الحوار وخفض التصعيد، دون الانخراط في سياسة المحاور التي مزقت الصف العربي.

وترتبط هذه الاستعدادات ايضا برغبة الحكومة في استثمار القمة لتعزيز الشراكات الاقتصادية مع الدول العربية، من خلال عرض فرص استثمارية في البنى التحتية والطاقة والنقل، انطلاقا من قناعة بأن التعاون الاقتصادي هو أحد مفاتيح الاستقرار السياسي. وقد أُدرجت هذه الملفات ضمن جدول أعمال القمة، بالتوازي مع الجهود الميدانية لتطوير العاصمة وتهيئتها لتكون منصة ناجحة لاستقبال الأشقاء العرب.

وفي هذا السياق، فإن الحكومة تنظر إلى القمة بوصفها لحظة وطنية بامتياز، تتجاوز حدود السياسة الخارجية، وتمس الداخل العراقي في الصميم، باعتبارها فرصة لإظهار قدرة الدولة على التنظيم والإدارة وتقديم نموذج لدولة تنهض بإمكانياتها الذاتية، وتعيد رسم صورتها لدى الرأي العام العربي والدولي.

إن مشهد بغداد وهي تتحول، خلال أسابيع قليلة، إلى مدينة تتزين بالأعلام العربية، وتُستكمل فيها مشاريع طال انتظارها، يحمل رمزية كبيرة، فهو تأكيد على أن العراق لا يزال قادرا على أن يكون مركزا للقرار، ومكانًا للّقاء، لا ساحة للصراع. والفضل في ذلك يعود إلى رؤية حكومية واضحة تقودها قيادة سياسية تؤمن بأن تعزيز العلاقات العربية لا يبدأ فقط من طاولة الحوار، بل من بناء الثقة، وتهيئة الأرضية، وإظهار الاحترام الكامل لضيوف العراق من القادة العرب.

وهكذا، فإن القمة العربية المقبلة في بغداد لا تعد مجرد اجتماع سياسي رفيع المستوى، بل محطة فارقة في مسيرة العراق نحو استعادة مكانته الطبيعية في المشهد العربي. إنها لحظة يثبت فيها العراق قدرته على تجاوز التحديات، وبناء نموذج جديد للدولة القادرة على التنظيم والتأثير، والمنفتحة على أشقائها بسياسة عقلانية ومسؤولة. وبينما تتزين بغداد لاستقبال ضيوفها العرب بعد ثلاثة عشر عاما من غيابهم عنها، فإن الرسالة الأوضح التي تبعثها للعالم هي أن العراق اليوم ليس فقط حاضرا، بل جاهز للمضي بثقة نحو المستقبل، متسلحا بإرادة التغيير وعزيمة البناء، تحت شعار: "بغداد أجمل وعراق أفضل". 



إقرأ المزيد